Arabic

سيكونون لي

سيكونون لي

“وَيَكُونُونَ لِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً”
ملاخي ٣: ١٧

تأليف: غلاديس م. كلاسين (‏١٩١٥-١٩٨٧)‏

جميعُ القصص الموجودة في هذا الكتاب حقيقية، رغم تغيير الأسماء لأجل قراءة أسهل.

ترغب الكاتبة في أن يتوبَ كلُّ فتى وفتاة، يقرأون هذا الكتاب، عن خطاياهم ويَقْبَلون الربَّ يسوع مخلصاً لهم ليكونوا في السماء.

 

الفهرس

١ ركن الفرصة الثانية  
٢ الملجأ  
٣ اليوم الذي توقف فيه محرك البخار  
٤ رقعة التوت  
٥ كرة العلكة الإضافية  
٦ القطةُ التي أَفشت سرًا  
٧ سيكونون لي  
٨ قصة أسد الجبل  
٩ اطْلُبوا أولاً  
١٠ فخر حياته  
١١ كما نزرع  
١٢ الكهف  
١٣ النار!  
١٤ مقبول  
١٥ الهروب  
١٦ دودلي- إوزة الثلج  

 

 

 

الهروب

بعد ظهر يوم الرب، كان سام وراندي بالقرب من الحظيرة، عندما سمعا صوت طقطقة على الطريق. أطلا حول ركن الحظيرة وفوجئا برؤية حصان غريب بمفرده. كان يتجه إلى حيث يتقاطع طريقان مع بعضهما البعض. توقف الحصان هناك، كما لو كان يحاول قراءة علامات اللافتات ويتساءل عن الطريق الذي ينبغي أن يسلكه.

انزلق الأولاد من تحت السياج وقادوا الفرس إلى أحد الجوانب، ثم طاردوها وأدخلوها إلى الحظيرة. كانت جائعة وعطشى. بدت متوترة للغاية لدرجة أنها لم تأكل، رغم أن الأولاد حاولوا جاهدين إطعامها. لم يحاول سام ركوبها إلا في اليوم التالي. يا له من حيوان عصبي! لقد كان امتطاؤه لها خبرة سيتذكرها طويلاً. لقد كان سعيدًا بالترجل عن ذلك الحصان.

انتظر الأب حوالي أسبوعين أن يطالب أحدهم بالحصان. وبحث أيضاً في عمود “الضائع” في الصحيفة لمعرفة ما إذا كان هناك شخص ما قد أبلغ عن فقدان حصانه. وأرسل الأب في طلب معاين علامة السمة ليأتي ويتعرف على سمة الحصان. اتضح وجود سمتين- واحدة فوق الأخرى. كان لهذا الحصان خلفية مريبة مشكوك فيها. على أي حال، تم إخطار المالك، وتوجه إلى المزرعة ذات يوم ليسترد حصانه.

عندما رأى الفرس، شعر بالاشمئزاز. “إنها هاربة! ليست سوى هاربة! لا أستطيع أن أبقيها داخل سياج، وحتى الرجل الذي باعها لي لم يقدر على ذلك. هلا تبقيها هنا حتى الربيع؟ سأدفع لك لقاء إطعامها؟”

حكَّ الأب ذقنه. “حسنًا، نحن نفتقر إلى العلف هذا الخريف، ولدي كل هذه الماشية لإطعامها هذا الشتاء. أفضل أن تأخذها معك”.

لكن الرجل أقنع أبي أخيرًا بالاحتفاظ بالفرس لفصل الشتاء، وغادر مع تحذير من أنها على الأرجح ستهرب عبر السياج وأنها ستهرب مرة أخرى. سرعان ما كان حصان العائلة، سيلفر، والفرس الجديد الذي أطلق عليها اسم بيت، في حالة جيدة. كان سيلفر مروضاً بشكل جيد ويحب أن يتناول من يد الأطفال ويلقى معاملة خاصة. ولكن بيت كانت ترفض أن تسمح لأي شخص بالاقتراب منها. كانت تتراجع إلى الوراء، عندما كان الأب يحاول أن يضع عليها لجامًا.

بيث هي التي كانت تهوى ذلك الحصان الخجول عالي الجرأة. غالبًا ما كانت تنزل إلى الحظيرة دون أن يعرف أحد. كانت تجلس على السور العلوي من السياج وتتحدث بلطف إلى الحصان. كانت بيت تشخر وتجري إلى ركن بعيد من الحظيرة بنظرة خوف في عينيها. إن اقتربت بيث منها بضع خطوات بطيئة، كانت ترتعش بكل كيانها. حتى المقلاة المليئة بالشوفان لم تحقق الصداقة طالما كانت بيث تراقب الموقف. فكانت بيث تضع الشوفان وتعود إلى المنزل. ولكن بعد زيارة الحصان كل يوم لبضعة أسابيع، شعرت بيث بالمكافأة عندما رأت بيت تسير بضعة خطوات بطيئة نحو المقلاة وتبدأ في القضم. كانت بيث تجلس بصبر على الحاجز العلوي من السياج تراقب بيت وهي تأكل الشوفان.

أي نوع الأسياد تخدم؟ ربما لا تدرك أنك تخدم سيدًا، لكنك حقًا كذلك. “ألستم تعلمون أن الذي تقدمون ذواتكم له عبيدًا للطاعة، تطيعون عبيده أيضاً، سواء للخطيئة للموت أو للطاعة للبر؟” رومية ٦: ١٦. إن اعتقدنا أننا نستطيع أن نفعل ما يحلو لنا، فإننا نخدع أنفسنا، ولا ندرك أننا نُستعبد تدريجياً، عبودية قاسية للخطيئة والشيطان. البداية تكون صغيرة وتدريجية، مثل الملذات الخاطئة. لكن العادات تنمو والخطيئة تقسّي الضمير وتنتهي بالموت. “أجرة الخطيئة هي موت، ولكن عطية الله هي حياة أبدية بيسوع المسيح ربنا”. رومية ٦: ٢٣.

نظرًا لأن بيت كانت لتأكل الشوفان من المقلاة، راحت بيث تحاول أن تجعلها تأكل بعض الشوفان من يدها. ولكن بيت كانت ترتعب، وتنبش الأرض بحوافرها الأمامية. كانت بيث تهدئها بالتحدث إليها بهدوء. تدريجيًا بدأت تمسّدها، ثم بعد بضعة أيام أخرى، بدأت بيث في تنظيفها بمشط حصان. التشابك الجامح في عرفها تم تنعيمه وتشذيبه بعناية، وإزالة الأشواك منه.

لم يعرف باقي أفراد العائلة ما كانت تفعله بيث. لم تكن بيت فرساً حسنة المظهر عندما جاءت إلى المزرعة. ربما لم تكن لتبدو جيدة أبدًا، لكنها الآن أصبحت جميلة وأنيقة وتم الاعتناء بها جيدًا. سافر مالكها إلى المزرعة في الربيع التالي. كان يسحب مقطورة حصان ليقلّها إلى مزرعته. ولكنه فُوجئ برؤيتها تبدو مهندمة جيداً.

كانت بيت خائفة من ركوب المقطورة. وقفت ترتجف وتصهل إلى صديقها سيلفر الذي كان يئن بصوت عالٍ من الجانب الآخر من السياج. راح سيلفر يركض ذهابًا وإيابًا، كما لو أنه لا يريد أن تُؤخذ بيت بعيدًا.

تذمر المالك من السعر الذي كان قد اتفق مع الأب لدفعه لقاء الاحتفاظ ببيت خلال أشهر الشتاء. خلال حديثهما، تسللت بيث إلى المقطورة لتكون قريبة من بيت. وضعت ذراعيها حول رقبة بيت وحاولت تهدئة الحيوان الخائف وتهدئة مشاعرها في نفس الوقت. كان الأب يقول، “لا، لست بحاجة إلى حصان آخر”. “حسنًا، حسنًا إذن!” استدار المالك بسرعة للذهاب وكاد يتعثر بالأطفال الذين تجمعوا حول المقطورة. لقد كره الجميع رؤية بيت تغادر. امتلأت عيون بيث بالدموع وهي تقول، “أرجوك يا أبي”. لم يكن بإمكانها قول المزيد وعضت شفتها السفلية لمنعها من الارتعاش. كانت محبطة للغاية. كان الأب متفاجئًا تمامًا. “لماذا كل هذه الجلبة من حصان ضال يكاد يكون جامحاً وغير مدرب؟”

“إنها ليست جامحة، ليست جامحة على الإطلاق. لقد تعرضت لسوء معاملة، وأنا أعلم أنها خائفة. إنها مجرد حصان خائف”، قالت بيث. “لكننا لسنا بحاجة …”. بدأ الأب.

قال راندي “حصانان أفضل بكثير من واحد”. وتوسل الأطفال الآخرون إلى الأب أن يحتفظ ببيت أيضًا. لم تفهم بيت سبب فتح بوابة المقطورة مرة أخرى، ولكن تم فتحها وخفضها، حتى تتمكن من النزول منها إلى الأرض. لم تعلم بيت أن سيداً جديداً اشتراها. ولكن عندما خرجت من المقطورة هناك وقفت في العراء. نظرت بيت إلى الوجوه من حولها. نظرت إلى الطريق المفتوح أمامها، ثم هزّت رأسها، وهرعت إلى السياج حيث كان سيلفر يقف. وقفت هناك تنتظر دخول الزريبة. لم تهرب بيت مرة أخرى.

هل أنت غير سعيد؟ هل ترغب في البدء من جديد؟ هناك بداية جديدة لك، ولادة جديدة وحياة جديدة لجميع الذين يأتون إلى الرب يسوع، ويعترفون بحالة الضياع التي يعيشونها. لقد دفع الرب يسوع الثمن لتخليص نفسك من الجحيم. تعال إليه وتعلّم منه. لقد أحبك الرب يسوع وأسلم نفسه من أجلك. (‏غلاطية٢: ٢٠). أن تعرفه يعني أن تحبه. دعوته هي: “تعالوا إليّ، يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم”. متى ١١: ٢٨.

قضت بيث العديد من الساعات السعيدة في ذلك الصيف وهي تركب بيت. لقد ساست بيت حتى أصبحت ناعمة ومشرقة. علّمتها أن ترفع كل حافر، حتى تتمكن من التقاط أي حجارة صغيرة وحصى حادة تكون قد استقرت في البقع الناعمة من قدميها. حتى الأب ابتسم عندما رأى بيث تحمل اللجام بعد ظهر أحد الأيام، وجاءت بيت تركض نحوها. بدا الأمر وكأن بيت تقول، “هل يمكنني اصطحابك في جولة الآن؟”

يعتقد البعض أنه يمكنهم أن يخدموا سيدين. إنهم يرغبون في الحصول على ملذات الخطيئة لبعض الوقت الآن والسماء لاحقًا. ولكنهم من جديد يخدعون أنفسهم.

“لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ،
لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ،
أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ”.
متى ٦ :٢٤.

“اخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ”.
يشوع ٢٤: ١٥

“أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ”.
يوحنا ١٠: ١١

“خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً،
 وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي”.
يوحنا ١٠: ٢٧، ٢٨

“لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ،
 وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ”.
رومية ١٠: ٩

“بِسَلاَمَةٍ أَضْطَجعُ بَلْ أَيْضًا أَنَامُ،
 لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ مُنْفَرِدًا فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي”.
مزمور ٤: ٨

ركن الفرصة الثانية

“ما هي إلا أربع دقائق أخرى حتى تغادر الحافلةُ المدرسية”، قال الأب، وهو يرفع سحّاب سترته. كان الأب سائق حافلة مدرسية. عاش هو وزوجته في مزرعة مع ٨ أطفال. ما برح لمدة أربعة عشر عامًا يقود حافلة المدرسة، ويحتفظ بجدول زمني يشبه الساعة. بدأ الأطفال في تدافع مجنون يكرر نفسه بطريقة ما يوميًا على الرغم من النصيحة المقدمة مُسبقًا في جعل كل الأشياء جاهزة.

قالت الأم في تذكير: “شعرُك لا يبدو ممشطًا بالنسبة لي، يا هيرب”. تذكّرت بيث في نفس اللحظة أنها لم تنظف أسنانَها بعد الإفطار. بعثر سام كومةً من الكتب في محاولة لفرز الكتب التي تخصه. لحقت بيث بالأم موضحة أنه قد نفذ منها ورق المواضيع وتحتاج إلى بعض المال وأن راندي بحاجة إلى عذر مكتوب عن غياب الأمس. كان سام يفتش بدقة في صندوق التفاح، ويبحث عن بعض تفاحات إضافية ليأكلها في الطريق. دوى صوت بوق الحافلة وكانت هناك قبلات وتحيات وداع عجلى. هرع البعض خارجين من الباب واندفع البعض راجعين إذ نسوا صناديق الغداء والقفازات. كان من الصعب استعجال الأطفال دون وقوع أي نوع من الحوادث.

“أين كتاب مكتبتي؟ إنه واجب اليوم!” “هذا وشاحي، وشاحك في الخزانة!” ركلات بالأقدام، صفق أبواب؛ ثم ضجيج محرك الحافلة المدرسية وينتهي كل شيء. كان الجميع هادئين، وإذ يتصاعد صوت عويل صغير من الشرفة الخلفية. “كنت أرتدي حذائي فقط، ولم ينتظرني والدي”.

“حسنًا، يا هيرب، يبدو أنك تخلفت عن الركب، لكنك تعرف لماذا، أليس كذلك؟” كانت الإجابة المحزنة: “للتو ارتديت الحذاء أيضًا”.

“من الذي لم ينهض عندما تمت مناداته هذا الصباح؟ من تأخر على الإفطار؟ تعتقد دائمًا أن هناك متسعًا من الوقت – إلى أن يفوت الأوان. الآن سينبغي عليك أن تركض إلى “ركن الفرصة الثانية” وتعرف إن كان بإمكانك أن تلحق بالحافلة عند مفترق الطرق بينما يرجع أبي إلى الطريق أسفل مزرعة واغونر”.

راحت الأمُّ تشاهد ذاك الصغير وهو يركض خارجاً نحو البوابة ويتجه إلى مفترق الطرق. نعم، هناك أحياناً “فرصة ثانية” ولكن من البؤس الاعتماد عليها. يمكن أن تعني أن يخسر المرء نفسَه، والسماءَ، والحياة الأبدية مع المسيح.

“فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ.
 فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ”
١ كورنثوس ١٥: ٥٢.

لكن ماذا لو لم نكن مستعدين للموت؟ ماذا لو كنا قد خططنا حقًا للخلاص، ولكن قررنا الانتظار؟ ماذا لو لم نكن قد فكرنا في الأمر على الإطلاق؟ ماذا لو كنا تعلمنا دروسنا في صف مدرسة الأحد؟ ماذا لو كنا قد تَلَوْنا آياتنا كل يوم أحد، ولكننا أجّلنا التوبة وقبول يسوع مخلصاً لنا؟

بعد أن نموت، سيكون قد فات الأوان، ولا تبقى هناك فرصة ثانية للخلاص.

“هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ”
٢ كورنثوس ٦: ٢.

“عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، …. بَلْ بِدَمِ الْمَسِيحِ الكَرِيم”.
١ بطرس ١: ١٨، ١٩

 

الملجأ

كان القطيع مضطرباً أكثر من المعتاد. برؤوس منحنية إلى أسفل، راحت الماشية تبحث عن عشب ينمو هنا وهناك عبر البرية. جالت الماشية بعيدًا عن ضواحي البلدة الصغيرة. كانت الرياح الساخنة المستمرة تهب طوال الصباح وتتحول الآن إلى عاصفة رملية. لطمت بشدة وجهي بيث وسام، اللذين كانا يمتطيان خيلهما ويراقبان القطيع في ذلك اليوم. وَخَزَ الغبار الرملي عيونَهم.

” نادى سام أخته قائلاً: “هناك كوخ قديم أمامنا. هل يجب أن نحتمي إلى أن تنتهي هذه؟”

لم يكن هناك شك في الأمر. لقد كانوا يقتربون من كوخ رجل عجوز يسكن هناك، لكنه كان مهجوراً ومن الواضح أنه كان قد هُجر منذ فترة طويلة جدًا. لكانوا ممتنين إن وجدوا أي نوع من الملجأ. على كل حال، وبعد ربط خيولهم إلى عمود، التجأوا إلى المبنى الصغير الذي كان قد أصبح متضررًا ومبيضًا مثل عظمة.

كانت هناك غرفتان فقط في الداخل. أتاحت الجدران الخشبية العارية ظهور ضوء النهار بين شقوق الألواح، وتشكلت كثبان رملية صغيرة في الزوايا. كانت جميع النوافذ محطمة، والرياح تصفر خلال ملجأهم البائس.

“هذا ليس أفضل بكثير من الخارج”. قالت بيث بخيبة أمل كبيرة. وصاح سام: “لكن انظري، ها هنا خزانة كبيرة قديمة آمنة إلى حد ما!”. ربما تمت إزالة الرفوف من قِبل شخص بحاجة إلى الألواح الخشبية. “المشكلة الوحيدة هي أن الأبواب لن تبقى مغلقة، لكن يمكنني إصلاح ذلك”. عثر سام على قطعة تبلغ بوصتين عرضاً وأربعة بوصات طولاً من لوح خشبي كان يبلغ طوله عدة أقدام. قام سام بتثبيت اللوح الخشبي على الحائط المقابل. بعد أن داس كلاهما داخل الخزانة، وضع اللوح إزاء أبواب الخزانة. بينما كانت العاصفة تنوح حولهم، كانوا راضين بالبقاء ملتزين داخل المساحة المزدحمة للخزانة القديمة. أخيرًا، بدا أن الريح هدأت قليلاً، وقررا أنه ينبغي عليهما البدء من جديد بتطويق الماشية.

دفع سام أبواب الخزانة القديمة ولكن الجيدة الإنشاء، إلا أنها لم تستسلم. راح يدفع بقوة أكثر فأكثر. ثم دفعا معًا بكل قوتهما. حقيقة أن الأبواب ما كانت لتفتح جعلتهما يخافان ألا يخرجا على الإطلاق. لكن سام كان لا يزال واثقًا من قوته. لوح نتن بحجم اثنين إلى أربع لا يجب أن يكون صعب الكسر للغاية! أسند ظهره إلى الحائط ووضع قدميه إزاء الباب، ثم دفع بكل ذرة قوة لديه. كم تمنى سام أن يكون ذاك الباب عبارة عن لوح خشبي واهٍ من شأنه أن يستسلم أمام هذا الدفع. لكنه لم يتزحزح أو يتحرك! قام سام وبيث بفحص واختبار المفصّلات، لكنها كانت قوية جدًا ولا يمكن إزالتها.

كانت بيث خائفة وقالت، “ماذا لو لم نخرج من هنا، وماذا لو متنا جوعاً هنا؟” فكر سام بجدية، ثم قال: “أعتقد أننا يجب أن نصلي إلى الله”. كانا يصليان دائمًا وقت النوم، وكان الأب يشكر الرب يسوع دائمًا في أوقات وجبات الطعام. لقد سمعا كثيرًا عن الرب يسوع وسمعا الكتاب المقدس يُقرأ كل يوم، ولكن حتى ذلك الوقت ما كانت قد نشأت علاقة شخصية بين روحهما والله. الآن شعرا للمرة الأولى بحاجتهما الشديدة إلى الله. عندما نصل إلى نهاية أنفسنا، عندها نرى حاجتنا إلى الخلاص.

“لأَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ”

رومية ٥: ٦.

كانت صلواتهما طفولية جدًا، وكانت الصلاة الوحيدة التي يعرفانها هي: “الآن، إذ أرقد إلى النوم ؛ أصلي إليك، يا رب، كي تحفظ روحي. إن كنتُ سأموت قبل أن أستيقظ، فأنا أصلي إليك، يا رب، أن تأخذ روحي”. رغم معرفة كليهما أن تلك الصلاة لم تكن مناسبة لهذه المناسبة على الإطلاق، إلا أن سام صلى أيضًا قائلاً: “تعال، أيها الرب العزيز، وكن ضيفنا. بارك هذا الطعام الذي قدمتَه، من أجل يسوع. آمين”. كرر هذه الصلاة بالألمانية، وكأنه كان يعتقد أنها ستكون أكثر فاعلية في جذب انتباه الله. ثم أضاف في النهاية، ما كان في قلبه حقاً، “وأرجو أن تساعدنا على الخروج من هنا”. هل انتبه الله؟ أنا متأكد من أنه سمع أولئك الأطفال.

عندما يسير كل شيء على ما يرام، فإننا نميل إلى التفكير باستخفاف في الله والأبدية. لم يفكر سام بالمستقبل، وهذا ما وضعهما في تلك الحالة الصعبة. على نفس المنوال، إن كنتَ لا تفكر بالأبدية مستقبلاً، ستجد نفسك في الطلمة الخارجية. عليك أن تفكر الآن في الخلاص وأن تلجأ إلى الرب بينما لا يزال هناك وقت!

حاول سام من جديد الضغط على الأبواب الشبيهة بالسجن حتى أُنهك. ثم غاص في التفكير بعمق في مشكلتهم الصعبة. من خلال صدع على ارتفاع حوالي قدم واحدة فوق الأرض، كان شعاع ضوئي يتدفق من أسفل أبواب الخزانة. كان هذا شيء للتحري. تحسس حول هذا الصدع، وبهذه الطريقة، وصل إلى الاكتشاف الرائع. كانت هناك طريقة للنجاة!

“أعتقد أننا نجلس في درج منزلق يا بيث. ساعديني في دفعه كي يُفتح!” باستخدام أجسادهما كرافعة، دفعا بأقدامهما إزاء مقدمة الدُّرج، وبأيديهما إزاء الحائط. ما هي إلا دقيقة حتى انفتح الدرج، وفي وقت أقل من ذلك، تسللا خارِجَين من الخزانة وأصبحا أحرارًا!

الدموع، والصلوات، والأعمال الصالحة لا تطهر الروح من وصمة الخطيئة. ولكن هناك طريقة لنكون مستعدين عندما ينتهي وقتنا على الأرض أو إذا ما جاء الرب يسوع وطلب خاصّتَه. لقد تحقق السلام منذ زمن بعيد على صليب الجلجلة. طريق الخلاص مفتوح الآن لكل من يؤمن بما تقوله كلمة الله:

“دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ”.

١ يوحنا ١: ٧ ..

“يَكُونُ إِنْسَانٌ كَمَخْبَأٍ مِنَ الرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ العَاصِفَةِ”.

أشعياء ٣٢: ٢

 

اليوم الذي توقف فيه المحرك البخاري

كان هيرب ولدًا صغيرًا سعيدًا، عندما حصل على كلبه سبوت. كان يحب العيش في الريف مع سبوت. كان يحب جدول الطاحونة الذي كان يجري عبر المرعى وتحت جسر صغير ويمر عبر حقل الهليون. لقد نما الهليون بكثافة، لدرجة لم يستطع معها رؤية خندق الري الذي كان يتدفق بين صفوف الهليون.

خلف مجرى النهر كان هناك مسار للسكك الحديدية. كان هيرب يتطلع كل يوم إلى مجيء القطار. كان هذا في أيام المحركات البخارية، قبل استخدام محركات الديزل. مثل وحش ضخم من الفولاذ والنار، كان يزعق عند المعبر بصوت صفير عالٍ، ثم يغوص هديره في المرعى، وهو يهز الأرض نفسها التي تحت قدميه والنخاع الذي في عظامه، تاركًا إياه وقد لدغته الإثارة.

حيّا الإطفائي والمهندس هيرب ملوحين بأيديهما له، ولوّح هيرب بيديه ليردّ التحية لهما. كان عليه أن يحفظ هذا الوقت من اليوم دائمًا، بغض النظر عما كان يحدث. الأمر المحزن الذي حدث ذات يوم، هو أن كلبه، سبوت، كان متحمساً جدًا للترحيب بالقطار. فركض ووقع بين العجلات والفولاذ في القطار، ولم يتبق سوى القليل ليتذكر كلبه السعيد سبوت.

منذ ذلك الحين، عندما كان هيرب يسمع صافرة القطار، كان يبدو وكأنها تسخر منه. لم تعد لديه رغبة في ضجيج ودخان وقوة القطار الرائعة. اختار ألا يلاحظ ذلك، وكان ليود أن يجلس على الدرجات الخلفية لمنزله وقد نحّى وجهه بحزن بعيدًا عن سكك القطار.

اشتاق المهندس ورجل الإطفاء لرؤية الصبي الصغير الذي كان يلوح بيديه لهما كل يوم. لقد كانا أولادًا مرة، وكانا يعرفان بالتأكيد كيف كان يشعر. كانا يستطيعان فهم الحزن في قلب صبي صغير فقد كلبه الصغير الودود.

ذات يوم، أدار وجه هيرب وجهه ليرى ما تسمعه أذناه. توقف قطار المحرك البخاري الكبير بصوت عالٍ (‏كما لو أنه توقف بأيدٍ لا يمكنك رؤيتها) في منتصف المرعى مباشرةً! لم يستطع تصديق ما رآه وهو يشاهد رجل الإطفاء ينزل على درجات المحرك الكبير وهو يحمل شيئاً تحت ذراعه. راح رجل الإطفاء يسير باتجاهه عبر العشب الطويل. وقعت عيناه بسرعة على الحيوان الصغير بالأبيض والأسود. رأى آذني وأنف جرو ناعمة، حتى قبل أن يضعه رجل الإطفاء بين ذراعيه بابتسامة عريضة ودية. راح قلبه ينبض بسرعة كبيرة، وتحمس للغاية حتى أنه الكاد استطاع أن يقول “شكرًا لك”. لكن المهندس ورجل الإطفاء لم يحتاجا إلى أي شكر. منظر طفل صغير يلوح بإحدى ذراعيه ويحمل جروًا صغيرًا في الأخرى كل يوم بعد ذلك كان كل الشكر الذي أراداه.

لدينا صديق نزل إلى حيث نحن. هل تعرف صديق الأطفال الصغار هذا؟ اسمه يسوع. إنه مخلص الخطأة. إنه يعرف أين تعيش وكل شيء عنك. أرجو أن تأتي إليه كما أنت وأن تشكره على موته على الصليب ليتحمل عقاب خطاياك.

“وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ”.

يوحنا ١: ١٢

“أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ”.

يعقوب ٤: ١٤

 

رقعة التوت

كانت كلير تنزل لتوها إلى السقيفة حاملةً صناديقها المليئة بالتوت، بينما كانت بيث لا يزال لديها صندوق ونصف حتى يمتلئ صندوقها. لم تستطع بيث أبدًا أن تفهم كيف يمكن لأي شخص أن يلتقط الثمار بتلك السرعة دون أن يفوته بعض التوت على الشجيرات. كان الهدوء يخيم على المكان هناك بعيدًا عن ضجيج السيارات على الطريق السريع. كان لغو سنجابٍ، ونداء عرضي لطير، وأصوات قادمة من معسكر قطع الأشجار البعيد، هو كل ما يعكر سكون الصمت.

قامت بيث بحذر بفك غصن كان قد اشتبك في شعرها، ثم مدت يدها إلى ساقٍ محملة بالتوت الأرجواني الداكن. في تلك اللحظة بالذات سقطت حبة توت تماماً على مؤخرة رقبتها.

“حسنًا، يا كلير!” ولكن بيث تذكرت هنا أن كلير كانت تفرغ حمولتها في السقيفة. كادت تتشابك مرة أخرى في نفس الغصن وهي تدور حوله. كان يقف هناك أكبر رجل رأته على الإطلاق! خلافاً له، ربما، كانت خائفة جدًا من أن تجد نفسها وجهاً لوجه أمام شخص غريب تمامًا.

كان لديه ابتسامة ودودة. قال لها: “أنا آسف لأنني أخفتُك. كنتُ أسير باتجاه البلدة من معسكر قطع الأشجار، والتقيتُ بك هنا”. ذاق بعضَ حبات التوت من شجيرة. وقبل أن تسترد قدرتها على الكلام، قال، “انقطع حبل معدات شجرتي، وعليهم أن يربطوا الحبل. والآن، لدي بعض الوقت إذ أني لستُ مضطراً إلى العمل”، قال ذلك وهو يلتهم بضعة حبات توت أخرى في فمه. كان شاباً، ولم تشكّ في قصته، ولكن ما الذي ينبغي أن تقول له؟ وجدت أخيراً بضعة كلمات. فقالت: “هل تعرف الربَّ يسوع كمخلص شخصي لك؟” أجاب بابتسامة بهيجة: “لا”.

“حسنًا، يجب أن تعرف حقًا، لأننا لا نعرف متى نموت أو متى سيأتي الرب. يجب أن نكون مستعدين للقائه”. فأجاب قائلاً: “أفترض ذلك”.

“لماذا لا تذهب إلى اجتماع الإنجيل الليلة الذي سيُعقد في خيمة كبيرة؟ ربما ستخلص”. كانت الإجابة الهادئة هذه المرة “ربما يمكنني ذلك”. واستأنفت بيث كلامها قائلة: “إنه في الساعة ٧:٣٠ هذا المساء”. قال الرجل الضخم فجأة: “حسنًا، هذا وعد. ولكن علي أن أذهب الآن. إلى اللقاء”. ثم اختفى بالسرعة التي جاء فيها.

بالكاد استطاعت كلير أن تصدق أن بيث قد زارت شخصًا ما. في تلك الليلة، بعد أن جلس الجميع تقريبًا في الخيمة الكبيرة، وبدأ الغناء، حنى حطاب شاب طويل القامة رأسه إلى الأسفل ليدخل الخيمة. جلس بهدوء في مقعد خلفي. صلَّتْ كلير وبيث من أجله بصمت. افتتح المتحدث الاجتماع بالقول: “ما يزرعُه الإنسانُ إياهُ يحصد أيضاً”. غلاطية ٦: ٧. لتوضيح ذلك، قرأ من تكوين ٢٧: ١-٣٧. يُظهر الكتاب المقدسُ كيفَ خدع يعقوب أبيه المسن، إسحاق، ليحصل على البركة التي كان إسحاق ينوي أن يعطيها لأخيه عيسو. في السنوات اللاحقة، يعقوب نفسُه خُدِعَ من قِبل حموه، لابان، الذي أعطاه ليئة زوجةً بدلاً من راحيل (‏تكوين ٢٩: ٢١-٢٥).

ولكن هذا كان مجرد جزء من حصاد يعقوب. في وقت لاحق، وعندما كان يعقوب طاعناً في السن، خدعه أبناؤه بغمس قميص ابنه العزيز، يوسف، بدم معزاةٍ صغيرة. لقد فعلوا هذا ليجعلوا يعقوب يعتقد أن يوسف قد ُقتِلَ على يد حيوان بري. وتابع الخطيب كلامه قائلاً، إن رفضنا عرض رحمة الله الآن، ففي ذلك اليوم الآتي، سوف يرفض الله دخولنا إلى الجنة. ولكن إن زرعنا بالإيمان الآن، وقبلنا المسيح مخلصاً لنا، فإننا سنحصد مكافأة الإيمان في السماء والأبدية مع المسيح.

لم تكن بيث قادرة على الحضور مساء اليوم التالي، لكنها لم تنسَ أن تُصلي من أجل الحطاب الشاب. في تلك الليلة، حوالي الساعة ٩:٣٠ مساءً، استيقظَتْ على صوت صرير لسيارة فورد قديمة جدًا كانت تتجه نحو معسكر الأخشاب.

فجأة توقفت السيارة على طريق التلة التي كانت تقود إلى ما وراء مخيم جامعي التوت. صدح صوتان غنيان بالانسجام بفرح في فضاء الليل، مع صوت ترنيمة مألوفة. تعرفت بيث على صوت أحدهما، رغم أنها لم تَرَه مرة أخرى. عندما انتهت النوتة الموسيقية الأخيرة من الترنيمة، دار محرك السيارة وبدأت تتحرك وسرعان ما اختفت.

فجأة، تساءلت عما إذا كانت هناك ثمار للأبدية في رقعة التوت تلك…

“إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ”.

رومية ١٠: ٩

“الْكَلِمَةُ فِي وَقْتِهَا مَا أَحْسَنَهَا!”.

أمثال ١٥: ٢٣.

“طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ”.

مزمور ١: ١

 

كرة العلكة الإضافية

وجاء وقت القصة من جديد، وكانت العائلة الصغيرة في المزرعة مجتمعين كلهم حول الأم، حيث جلست لتروي لهم قصة أخرى من طفولتها.

أخبرتنا الأم قصة. عندما كانت في الرابعة من عمرها فقط، أُعطيت بنسين لتنفقهما. كانت سعيدة جداً! ذهبت وهي تثب على رصيف المشاة إلى متجر الحلوى. إذ استقر الأطفال للإصغاء، تابعت قائلة: “كانت هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي أذهب فيها للتسوق بمفردي. هرعتُ إلى ماكينة كرات العلكة على منضدة متجر الأدوية. وضعت أحد بنساتي في الفتحة تماماً كما شاهدت الآخرين يفعلون. ثم سحبت الرافعة في الأعلى إلى أن تكّت. ومنها انزلقت كرة علكة ظريفة وردية اللون.

“قذفتُ العلكة إلى فمي. ثم أدخلتُ البنس الآخر في الآلة وسحبت الرافعة مرة أخرى. سقطت كرة علكة خضراء في يدي. كانت هذه لأمي.

“إذ حصلتُ على كرة العلكة الخاص بي، وصرفتُ نقودي الآن، غادرتُ متجر الأدوية وهرعتُ إلى البيت. شمس الصيف الدافئة ووثباتي في المسير جعلت يدي تتعرق. توقفتُ وقمت بنقل كرة العلكة الخضراء اللزجة إلى اليد الأخرى. كانت يدي خضراء من فرك كرة العلكة. أخذت عينة منها على طرف لساني الوردي. مممممم- لقد كانت بنكهة النعناع ولذيذة- تقريبًا أفضل من كرة العلكة ذات اللون الوردي! كنت أعرف أن أمي ستحبها. تجاوزت كتلة بناء ثانية. بحلول ذلك الوقت شعرتُ أن اليد الأخرى صارت دبقة، فتوقفت لوهلة لأجل تبديلها من جديد. هذه المرة كانت راحة يدي اليسرى كلها قد صارت خضراء. لعقتُها وشممتُ رائحة كرة العلكة أيضاً. لقد كانت رائحتها طيبة. كانت للحلوى معاملة خاصة في بيتنا، لأننا كنا فقراء. بالإضافة إلى ذلك، كانت أمي مريضة، وكانت مضطرة للبقاء في السرير طوال الوقت في ذلك الحين. في الواقع، لقد اعتدتُ على رؤيتها في السرير، ولم أفكر بالأمر أبداً. أطبقتُ أسناني الحادة على طرف العلكة مرة أخرى، بينما كنت أسير على طول الطريق.

“التمعت عينا الأم وهي تبتسم عندما رأت كرة العلكة المأسوف عليها التي قدمتها لها. وقالت: “شكرًا لك، حبيبة قلبي الصغيرة. إني أتساءل يا غاليتي ما الذي حدث لهذه العلكة المسكينة”. احمرّ وجهي خجلاً وأنا أقول: “لقد وقعت مني على حجر، وانكسرت”. ثم أسرعتُ إلى الخارج”.

“تلاشت الابتسامة من وجه الأم وأصبح قلبها حزينًا. بل وحتى شعرَتْ بالأسف لأنها لاحظت أو حتى علَّقَتْ على حالة هديتي؛ لقد كان تصرفاً طفولياً جدًا. ما آلمني حقًا هو أن هذه كانت أول كذبة عَرَفَتْ أني قلتُها”.

“كم هي صادقةٌ كلمة الله التي تقول بوضوح:”

“اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟”.

إرميا ١٧: ٩.

“لا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى تُظهر الخطيئةُ نفسها وذلك لأنهم….

“ضَلُّوا مِنَ الْبَطْنِ، مُتَكَلِّمِينَ كَذِبًا”.

مزمور ٥٨: ٣

“الجميع أخطأوا، وأعوزهم مجدُ الله”.

رومية ٣: ٢٣.

“ذهبتُ إلى جانب المنزل حيث كنت أصنع فطائر من الطين. مزجتُ التراب مع الماء وصنعتُ بعضَ الكعك الصغير. قمتُ بتزيين هذه بالحصى بدل الزبيب وتركتُها في صف كي تخبزها الشمس. ولكني كنتُ مضطربة. لم أُغنّي كالمعتاد، وشعرتُ أنه يجب أن أبقى خارج البيت لئلا تراني أمي. كنتُ أشعر بالوحدة. كانت يدي كلها موحلة، لذلك ذهبتُ إلى صنبور المياه الخارجي وغسلتهما. ثم جلست ورحت أحاول التقاط بعض التراب من تحت أظافري. إذ كنت أقوم بذلك، لاحظت وجود علامة بيضاء صغيرة على أحد أظافري. بدت مثل الطباشير، ولكن على الرغم من أنني فركت وفركت، إلا أنها بقيت.

“كانت أمي في الداخل تصلي. كان الرب هو مُعزّيها وكذلك مخلصها، لأنها كانت قد وضعت اتكالها عليه في كل الأشياء منذ زمن بعيد. كانت تصلي من أجل الحكمة، ومن أجل أن يساعدها في إرشادي إليه قبل أن يأخذها إلى الموطن السماوي.

“أحسّت ببعض الخطوات البطيئة. سألتُها: “يا أمي، ما هذا الشيء الأبيض على أظافري؟” “حسنًا، دعينا نرى”. قالت أمي وهي تحمل يدي الصغيرة بيدها. واستأنفت تقول: “عندما كنتُ طفلة صغيرة وذهبت إلى المدرسة، رأيتُ في أحد الأيام شيئًا كهذا على أظافري أيضًا. أخبرتني صديقتي أن ذلك كان لأنني أخبرت كذبة. ربما هو فقط نقص في الكالسيوم أو ربما كدمة. ما الذي تسبب به في رأيك؟ “

“شعرتُ بعدم الارتياح مرة أخرى- لم أُجِب. ومضت الأم لتقول أن آخر مرة كان الطبيب هناك لرؤيتها، أخبرها أنها لن تبقى هناك لفترة أطول. فسرعان ما ستغادرني كي تذهب للعيش مع يسوع، وأرادت أن تتأكد من أنني سآتي إلى السماء أيضًا. لقد أردتُ أن أتطلع إلى رؤيتها مرة أخرى هناك.

قالت الأم: “لا أحد يستطيع أن يدخل ذلك المكان السعيد والخطيئة عليه- لأن الله قدوس”. فسألتها: “ما هي الخطيئة؟” وقالت: “الخطيئة هي أن أمضي في طريقي الخاص بدلاً من اتباع طريق الله كما ورد في كلمة الله. يخبرنا الله ألا نكذب أو نسرق، أو نتكلم بكلمات سيئة، أو نفعل أشياء غير لائقة. وحتى أن خطيئة واحدة ستفصل ابنتي الصغيرة عن الفردوس إلى الأبد”.

“كان وجهي مختبئًا بين ذراعي والدتي. بكيتُ، وقلت لها: “يا أمي، أنا لم أُوقع العلكة، بل أخذتُ قضمة صغيرة منها فقط. هل سيغلق الله الباب عليّ؟” فقالت: “لن يغلق عليك خارجاً بسبب تذوق العلكة، لأن العم ويل أعطاك البنسات لشرائها، فهي كلها لك على أي حال. ولكنه سيغلق الباب عليك خارجاً لأجل الكذب بخصوص ذلك. دعينا نعترف بذلك للرب ونشكره لأجل موته على الصليب ليحمل عقابنا ودينونة الله على خطايانا. دمُه يطهّرنا من كل الخطايا، وعندما نعترف بخطايانا فإنه يغسلها جميعًا. بمجرد قبولنا للرب يسوع مخلصناً لنا، نصبح خاصّته وما من شيء يبعدنا عن يده” (‏يوحنا ١٠: ٢٨).

“اغْسِلني، فأبيضّ أكثرَ مِن الثّلج”.

مزمور ٥١: ٧

“إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ”.

١ يوحنا ١: ٩

 

القطة التي أَفشت سرًا

“كيف تحبُّون أيها الأولاد والبنات أن تسمعوا قصة عن والدتكم عندما كانت طفلة صغيرة؟” تحلّقت العائلة كلها بوجوههم المتلهفة عندما بدأت الأم تتكلم عن الأيام التي مرت منذ زمن طويل. كان الأمر الصعب في حياتي هو أنني كنت طفلة صغيرة عندما ماتت والدتي. لقد تُركت مع أختي الصغرى فقط. غالبًا ما كنتُ أشعر بالوحدة، وأفتقد والدتي كثيرًا. على الرغم من أنني أحببتُ جدتي، إلا أن جدتي لم تستطع أن تحل محل والدتي، التي كانت تعرفني وتحبني في طفولتي المبكرة. صار الأطفال الآن متحمسين إذ بدأت الأم تحكي لهم قصة جديدة:

“ذات يوم، وصلت قافلة من الشاحنات إلى ساحة خالية ليست بعيدة عن منزلنا. أثاروا الكثير من الفضول، حيث بدأوا في نصب الخيام، وركوب الخيل، وعجلة الملاهي الكبيرة، وأكشاك الآيس كريم والحلوى. وبأسرع مما يمكنكم أن تتصوروا، ملأت الألحان الموسيقية الجو، وراح الناس يصرخون، “اصعدوا الآن، سيداتي وسادتي”… وتابعت أمي الكلام قائلة: “ذهبت إلى الحد الذي مسموحًا لي به بعيداً عن البيت- حتى طرف الكتلة البنائية، ومن هناك رحت أتفرج على كل ما أمكن لعيني أن تراه. رأيت أطفالًا آخرين يذهبون إلى هناك، وبعد فترة وجيزة، ركضتُ عائدة إلى المنزل وسألت جدتي، إذا ما كان بإمكاني الذهاب أيضًا. قالت: “لا، هذه من مغريات العالم- كل مظاهرها وأصواتها ساطعة ومبهجة، لكنها متعة فارغة، ولا ترضي الرب”.

نظرت الأمُّ حولها إلى عائلتها. كانوا يعرفون مدى خيبة أملها آنذاك. تابعت الأم، “إذ خرجتُ من البيت تأرجحتُ على البوابة الأمامية، وأنا أفكر أن الجدات لا يفهمن شيئاً على الإطلاق، – في الواقع، ربما لا تحب الجداتُ الفتيات الصغيرات كثيرًا! لكن هذه الجدة العزيزة كانت تفهمني حقًا وتحبني، – وهي تذكرت بوضوح شديد الليلة التي ماتت فيها والدتي وتركتها لتعتني بي.

“كان من الصعب على الجدة أن تربيني من أجل الرب، كما كانت ترغب أن تفعل. وذلك خاصة لأن بصرها كان سيئًا للغاية، وكانت تواجه صعوبة في التفريق بين النهار والليل. كانت تشعر أحيانًا أنها لم تستطيع أن تفي بوعدها لأمي، لأنها غالباً ما كانت متعبة. تنهّدتْ وصلَّتْ إلى الرب يسوع، طالبة منه الحكمة والقوة لتحفظني بعيدة عن أفخاخ وإغواءات هذا العالم، ولكي أعرف معنى أن أكون قد خلصت حقاً.

“بعد انتهاء العشاء، وبينما كنتُ أضع الأطباق بعيدًا، سمعتُ طرقة على الباب. لقد كانت زميلة صغيرة من المدرسة، توقفت لتدعوني للذهاب إلى الكرنفال معها.

أجابت الجدة: “لا، ولكن ربما يمكنك البقاء هنا واللعب مع آن”. “لقد كنا صديقتين مقربتين، وكلتانا فقدنا أمهاتنا. لقد كنا نستمتع بالتواجد مع بعضنا البعض في حزننا. من الواضح أن بيرل شعرت بخيبة أمل، وفكرت لوهلة. ثم أظهرت لي نقودها. كانت أربع دايمات تكفي لركوب جولتين وبعض الحلوى والبوشار​​، أو على الأقل تكفي لأربع جولات. من أجلي، لم ترغب في التخلي عن المرح.

“مدت بيرل يدها إلي”. “تفضلي، يمكنك الحصول على هذين الدايمين”. قدمتها لي بنكران كامل للذات. هززتُ رأسي رافضة. “لا، لا يمكنني أخذهما”. “لمَ لا؟” قالت الجدة، أنه لم ليس مسموحاً لي بالذهاب. “ربما لن تعرف حتى أننا ذهبنا، إذا ركضنا بسرعة”. “لا، بل اذهبي أنتِ”. قالت بيرل، “أعتقد أحيانًا أنك تخافين للغاية من أن تكوني مغامِرة”. وختمت حديثها هنا.

“لم نقل شيئاً بعد ذلك. مرَّ الوقت ببطء، لأننا لم نكن سعداء وثرثارين كالمعتاد. بعد ذلك بوقت قصير، لاحظنا أن الجدة كانت تكبو من النعاس. ثم ما لبثت أن راحت في سبات عميق. دون أن نقول كلمة واحدة، خرجنا كلتانا بهدوء من الباب الأمامي وذهبنا إلى الأمسية الصيفية. ركضنا بسرعة نحو الأضواء المتلألئة وموسيقى الكرنفال.

“اِفْرَحْ أَيُّهَا الشَّابُّ في حَدَاثَتِكَ، وَلْيَسُرَّكَ قَلْبُكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ،

 وَاسْلُكْ فِي طُرُقِ قَلْبِكَ وَبِمَرْأَى عَيْنَيْكَ،

 وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى هذِهِ الأُمُورِ كُلِّهَا يَأْتِي بِكَ اللهُ إِلَى الدَّيْنُونَةِ”.

الجامعة ١١: ٩

“كان قلبي يدق بشدة، شعرت كأني مريضة، عندما ركبتُ حصانًا على الدوامة المرحة. ذهبنا دورة وأخرى إلى أن أصبح كل شيء مشوشاً في الرؤية والصوت. حاولت أن أبتسم، عندما ابتسمت بيرل، لكن بداخلي شعرت بشعور مُغِث، كانت دوامة المرح تدور في دائرة، وبدا كأنها لن تتوقف أبداً عن الدوران.

“سأَلَتْ بيرل، “ما الذي سنركبه بعد ذلك؟” فقلتُ: “لا شيء. دعينا نعود إلى المنزل”. “هل ترغبين ببعض الحلوى؟” “لا، أنا سأعود إلى البيت”. “هيا نمرح”. وهنا ودَّعتُ صديقتي الصغيرة بيرل.

“عندما رأت بيرل أن الإقناع بالملاطفة كان عديم الفائدة، هرعت راكضة ورائي، إلى أن اقتربنا من المنزل. كان الشفق قد أظلم قليلاً، والمنزل، الذي كان يبدو مظللاً عندما غادرنا، صار الآن متوهجاً بالأضواء.

“لقد كنت مليئة بخيبة الأمل، لأنني اعتقدت أن جدتي ستكون مستيقظة وستكون قد لاحَظت أنني لم أكن في المنزل. ستكون مستاءة لأنني ذهبت! أوه، ما الذي ستفكر فيه؟ شعرت بالارتجاف بين مشاعر الخوف والقلق. كنت أعرف أن جدتي ستكون مستاءة بشكل فظيع.

“وإذ كنتُ خائفة، ركضتُ صعودًا على الدرجات الأمامية للمنزل وفتحتُ الباب. هناك رأيت شيئًا لن أنساه أبدًا. كانت جدتي العزيزة ذات الشعر الفضي، والدموع تنهمر من عينيها شبه العمياء، تصلي، حتى من أجلي.

“نزلت دموعي، وأنا أقول، “أنا آسفة يا جدتي”، لأنني كنت مكسورة الفؤاد بسبب الحزن الذي سببته لها، وبسبب أفعالي السيئة وعدم إطاعتي أيضًا”. “لكن كيف عرفتِ، يا جدتي؟” سألتها أخيراً.

“أومأت الجدة برأسها نحو القطة الصغيرة الجالسة بجوار الموقد”. وسألتني: “ما قصة هذه القطة، ومن أين أتت؟” “لا أعرف هذه القطة، أو من أين أتت، لكن لا بد أنك تركتِ القطة تدخل المنزل. لقد قَفَزَتْ على موقد المطبخ وأحدثَت جلبة عالية جدًا، كافية لإيقاظ أي شخص”.

“نظرتُ أنا وبيرل إلى بعضنا البعض مرتبكين”. “هل رأيتِ أي قطة؟” سألتني بيرل. فقلت: “ولا أنا رأيتُ أي قطة”. وسألتُ: “قطةُ من يمكن أن تكون تلك؟”

“نظرت الأم حولها إلى تلك الوجوه الصغيرة حولها. وسألت: “هل يمكن لأي منكن أن تخمن من أين أتت القطة؟” “حسناً، سأخبرك. لقد جاءت من عند الرب. لقد أعدَّ سمكةً عظيمة لابتلاع يونان، عندما عصى يونان الله. وجعل الربُّ حمارًا أخرسًا يوبخ بلعام، وجعل ديكًا يصيح ليذكّر بطرس بتحذيره له من أن الشيطان يرغب في أن يغربله كالقمح. ولكن يسوع صلّى من أجله. وعندما سمع بطرس الديكَ يصيح، تذكّر ما كان يسوع قد قاله له. في تلك اللحظة، التفت يسوع ونظر إلى بطرس والتقت أعينهما. أعرف تماماً كيف شعر بطرس عندما خرج وبكى بمرارة. لقد أرسلَ الربُّ تلك القطة أيضًا! أعتقد أن يسوع يحبُّ أتباعه ويراقبهم ويسعى لإبعاد أقدامهم عن الطريق الضال”. “إنه يُطلق خاصّته كخراف … ويقودهم بمهارة يديه”. المزامير ٧٨: ٥٠، ٥٢، ٧٢. “لا ينامُ حافظُك”. المزامير ١٢١: ٣.

“لقد خاطبَ قلبي وضميري، وسرعان ما خلصت عندما أدركتُ محبة الرب وصلاحه لي، حتى عندما كنت خاطئة وضالة. لقد اعترفتُ بخطيتي وقبلتُ يسوع مخلصاً لي. وعندها، أمكنني أن أرنّم بقلب سعيد لأن خطاياي كلها غُفرت. هل تعرف المخلص؟ “

“كَتَبْتُ هذَا إِلَيْكُمْ، أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ،

 لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِاسْمِ ابْنِ اللهِ”.

١ يوحنا ٥: ١٣

 

سيكونون لي

“يتعين عليك كتابة تقرير مدرسي عن موضوع قديم، فلماذا اخترتَ أكثر أيام السنة حرارة لزيارة هذه المقبرة القديمة؟” اشتكى راندي، بينما كان يقفز على قدم واحدة لسحب بعض الأشواك من أحد جواربه ولإفراغ التراب من حذائه. اندفع بقية الأطفال إلى أعلى التلة إلى المقبرة القديمة الصغيرة. ركض سام وهيرب في المسافة الأخيرة ليروا من يمكنه الفوز. لقد كانت رباطاً. لوحا بأذرعهما وصرخا، “لقد فزنا!” “لقد فزنا!”. راح الباقون يلهثون وهم يصعدون التلة إلى شاهدة القبر حيث كان سام وهيرب يستريحان.

“يمكنك أن ترى كل الأماكن حولك من أعلى التل هنا. المنظر جميل. يمكنك رؤية المزيد من القبور هنا أكثر من أسفل هناك. الأعشاب طويلة جدًا، ولا يمكنك رؤية كل علامات القبور وشواهد القبور”.

أكبر نصب تذكاري كان له سور من الحديد المطاوع حوله، وراح الأولاد يتفحصونه بعناية ليعرفوا سبب أهميته الزائدة. كان مكتوباً على النقش،

“أبٌ و أُمٌّ.

أوليفر غ. غالاهر

١٨٤٠-١٨٨٠”

وعلى الجانب المقابل،

“ماري إ. مالي

زوجة أ. غ. غالاهر “

قال سام في دهشة: “العام ١٨٤٠، هذا منذ أكثر من مائة عام”. “نعم، ولكن انظر إلى هذه العلامة الصغيرة الأخرى”، قال هيرب، وهو يزيل الحشائش والتراب عنها ليرى النقش. “هذه أقدم، مكتوب فيها:”

“وليام غالاهر

١٨٠٢-١٨٨٧”

قالت بيث بصوت عالٍ: “لابد أن ويليام كان والد أوليفر”، “أتعلمون؟ عاش ويليام تقريباً في نفس الوقت الذي عاش فيه ماركوس ويتمان!” كان هناك سياج خشبي صغير حول القبر غير المعلّم. قرأت بيث الكتابة على حجر القبر. كانت الكلمات تقول:

“دعونا نُحجم عن الشكوى،

من أنهم ذهبوا الآن عن أعيننا،

فقريباً سوف نعاينهم مرة أخرى،

في بهجة جديدة ومضاعفة”.

“تبدو هذه الكلمات وكأنهم كانوا قد آمنوا برسالة الرب يسوع، وذهبوا ليكونوا معه في السماء، أليس كذلك؟” رفع هيرب صوته قائلاً: “حسنًا، إن كانوا قد أمنوا حقًا بأن الرب يسوع مات على الصليب وسفك دمه لتطهيرهم من كل خطاياهم، فهم معه في السماء. وسنلتقي بهم أيضًا، عندما نصل إلى هناك. سيكون من الممتع أن نطرح عليهم جميع أنواع الأسئلة”.

“انظروا، هذه تقول،

“ماريا كيرك”

١٨٢٢-١٨٨٥

جاهدْتُ الجهادَ الحسن”.

نادت بيث الآخرين. وسألت: “هذا ما قاله الرسول بولس قبل موته، هل هذا صحيح؟” فأجاب سام: “نعم، بل وقال أكثر من ذلك. فقد قال بولس أيضاً، حفظتُ إيماني”.

“ما هو الإيمان؟” سأل هيرب. أجاب سام: “إنه تصديق رسالة الكتاب المقدس”. “نحتاج أن نؤمن بالرب يسوع الذي مات من أجلنا على الصليب ليخلّصنا من خطايانا. لقد أحبَّنا الربُّ يسوع كثيرًا لدرجة أنه كان على استعداد للموت من أجلنا. إنه يحبنا الآن مثلما فعل عندما مات من أجلنا على الصليب. هو نفسُه أمس، واليوم، وإلى الأبد”.

“انظروا إلى هذا القبر”، قال راندي، “إيدا ماي غالاهر بوروكر”. “لا بد أن تكون قريبة للسيدة ماكإنرو، لأن اسمها كان بوروكر قبل أن تتزوج من السيد ماكإنرو. دعونا نذهب إلى بيتها ونطرح عليها بعض الأسئلة”.

في أسفل التلة، كان هناك جدول متلألئ في طريقه على طول الجسر وتحته. على الجانب الآخر من الجسر، كان هناك منزل مزرعة كبير، حيث كانت تعيش سيدة أرملة عجوز مع ابنتيها. أمام المنزل على جانب الطريق، كان هناك صف من صناديق البريد. ركض الأطفال بسرعة نحو منزل المزرعة ذاك.

“تخيل فقط، عندما جاء ويليام غالاهر قبل سنوات، ما كان يعيش هنا سوى الهنود”. كان سام يفكر كيف كان الأمر منذ وقت طويل. وأضاف: “والجاموس أيضًا”.

وفجأة، وصلت بيث وإخوتها إلى منزل السيدة ماكإنرو، وكان الأولاد متوترين من طرق الباب. همست بيث “أنت تدق أولاً”. قال راندي: “لا، بل أنت اقرعي”، “لقد كانت فكرتك أنت، يا بيث، أن نأتي إلى هنا”. ردت بيث: “أنت الأكبر يا سام”. وانقطع الكلام عند فتح الباب الأمامي، وسماع صوتٍ ودود يسأل: “مرحبًا، هل كنتم تبحثون عن شخص ما؟”

“حسنًا، لا – أعني، نعم”، أجابت بيث، وقد بدت مرتبكة. “نريد أن نطرح بعض الأسئلة حول المقبرة الموجودة أعلى التل”.

أجابت السيدة اللطيفة: “ربما يمكن لوالدتي أن تخبركم أكثر مني”. وسألتهم: “هلا تتفضلون بالدخول؟” دخل الأطفال المنزل وهم يشعرون بالحرج بسبب ملابسهم المتربة التي يرتدونها كل يوم. ما كانوا يرتدون ملابس تليق بزيارة.

ابتسمت السيدة ماكإنرو لهم من كرسيها المتحرك، ما جعلهم يشعرون بالترحيب التام، ودعتهم للجلوس في غرفة المعيشة الباردة.

“بدأت بيث الكلام وقالت: يجب أن أكتب تقريرًا للمدرسة، وتساءلنا عما إذا كنتِ تعرفين أيًا من الأشخاص الذين دُفنوا في تلك المقبرة؟” فقالت السيدة: “لقد دُفِن جدي وجدتي هناك، كما دُفن أبي وأمي في القبر الذي يحوي شاهد القبر الكبير والمسيج. كان السيد أوليفر غالاهر والدي”. واستأنفت السيدة تقول: “عمتي نانسي أوزبورن، التي كان زوجها مبشرًا وسافر مع ماركوس ويتمان، دُفِنت أيضًا هناك”.

“حقا؟” سأل سام. “هل كانوا في إرسالية ماركوس ويتمان، عندما هاجم الهنود الإرسالية وقتلوا الناس؟” أجابت “نعم، كانوا كذلك”. “عندما رأى زوج عمتي الهنود يبدأون في القتال، فتح بابًا صغيرًا لمصيدة في أرضية المطبخ يؤدي إلى قبو محفور أسفل المنزل. سرعان ما خبّأهم هناك ليكونوا بعيدًا عن الأنظار. صرخ طفلهم الصغير، “أوه أبي، سوف يجدوننا هنا”. “لكنه أغلق الباب فوقهم، وكانوا بأمان. وبعد أن هدأ كل شيء، وحلّ الظلام، غادروا القبو بهدوء. توقفوا لفترة كافية فقط لالتقاط كوب من الصفيح من الطاولة التي أخذوها معهم إلى كهف على ضفاف النهر، ومكثوا هناك لمدة ثلاثة أيام بينما ركب والدهم حصانًا سريعًا إلى حصن والا والا للحصول على المساعدة من الجنود لحمايتهم”.

فسأل سام السيدة: “هل عشتِ هنا طويلا؟” فكانت الإجابة “نعم. في الواقع، هذا هو المكان الذي وُلِدت فيه. عندما كنت طفلة صغيرة، كنت أرى كل ربيع هنود نيز بيرس يأتون على طول هذا الطريق. كانوا في طريقهم لزيارة هنود أوماتيلا. في الخريف، كنا نرى هنود أوماتيلا يركبون خيولهم على طول هذا الممر. كانوا في طريقهم لرؤية أصدقائهم، هنود نيز بيرس. بعد سنوات عديدة، أصبح هذا الممر طريقًا لعربة خشبة مسرح للسفر بين مدن بيندلتون وكلاركستون. كان لدى والدي اسطبلات خيول في المزرعة هنا، لأن هذا كان منتصف الرحلة. كانوا دائمًا يتوقفون هنا لتبديل الخيول على عربة الخيول. في بعض الأحيان، يكون الركاب متعبين ويقضون الليل في منزلنا في الغرف في الطابق العلوي، كانت لويستون وكلاركستون المدينتان الرئيسيتان في ذلك الوقت”.

سألت بيث السيدة: “هل كان منزلك يعتبر نزلًا؟” “كان والدي رجلاً طيبًا للغاية، ولم يرفض أحدًا أبدًا”. وسأل سام “لمن القبر الذي عليه شاهدة خشبية؟” “حسنًا، في إحدى المرات عندما كان الهنود يخيمون بالقرب من الجون، كان ابن الزعيم مريضًا جدًا. مات أثناء الليل. نعتقد أنه كان مصاباً بالتهاب رئوي. قال والدي إنهم يستطيعون دفنه في أعلى التل، وهكذا فعلوا. لسنوات عديدة بعد ذلك، في كل مرة يمرون فيها بهذه الطريق، كانوا يقيمون مراسيم هندية هناك. كان يمكنك سماعهم وهم يغنون، ويرقصون، ويندبون فوق القبر الصغير. ربما اعتقدوا أنهم كانوا يخيفون ويبعدون الأرواح الشريرة، لا أعرف حقاً”.

في طريقنا إلى المنزل، بعد المقابلة، راح الجميع يتكلمون في وقت واحد. “لابد أنها كبيرة في السن لتتذكر ما حدث منذ سنوات عديدة”. “أتساءل عما إذا كان الهنود يمرون بجوار تلك المقبرة بعد”. “لا أعتقد أن أحدًا قد دُفن هناك لفترة طويلة جدًا”. “فكروا فقط، في أنه عندما يأتي الرب يسوع، ستفتح تلك القبور”. “تقصد فقط إن قبلوا الرب يسوع كمخلص لهم”. يقول الكتاب المقدس، “الأموات في المسيح سيقومون أولاً”. “الآخرون سيقومون أيضاً، أليس كذلك؟” “نعم، بعد الألفية، سيظهرون أمام العرش الأبيض العظيم للدينونة، كما جاء في سفر الرؤيا”.

قالت بيث: “الرب يعرف من دُفن هناك، حتى لو لم نعد قادرين على قراءة الأسماء على القبور”. أجاب سام: “أنا سعيد لأن اسمي مكتوب في سفر حياة الحمل. هذا هو الأمر الأهم في الموضوع، لأن الله لا ينسى أبدًا أيًا من أبنائه الذين وُلدوا ثانية في عائلته”. “إذا علمنا أننا قد خلصنا، فإننا نعلم أننا سنكون في السماء يومًا ما. لا يهم إن مُتنا أولاً أو إن عاد الرب يسوع من أجلنا ونحن لا نزال على قيد الحياة”.

“لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ”.

١ تسالونيكي ٤: ١٦، ١٧.

قال الرب يسوع ،

افْرَحُوا أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ”.

لوقا ١٠: ٢٠

“كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ”.

رؤيا ٢٠: ١٥

 

قصة أسد الجبل

كان صبيان يتحدثان معًا بحماسة، “إنه راعي بقر حقيقي!”

“لقد درّب أول حصان جامح عندما كان عمره تسع سنوات فقط”. “كان والدُه قد أمسك الحصانَ الجامح في التلال البعيدة لأجل عيد الميلاد التاسع لابنه”.

تابعت عيونُهم الواسعة الخطوات الواثقة للجد بلان، الذي كان قادمًا ليصعد الدرج ويدخل إلى باب المنزل. كان يقف مستقيماً وهو يمشي، وكان شعره الأسود مجعداً لطيفاً. لم يكن يرتدي قبعة في المطر أو تحت الشمس على الإطلاق.

أجاب الصبيان بخجل، على تحيته اللطيفة، قائلين “مرحبًا”. شعرا أن أيديهما صغيرة جدًا في القبضة الكبيرة للزائر المفضل لديهم. لن يكون من اللباقة أن تسأله عن قصة على الفور، لكن كان من الصعب التفكير في شيء آخر يقولانه. لذلك كان من الجيد أن يقوم الوالد بدعوته إلى منزلهم. كانت الأم قد أعدت له كعكة عيد ميلاد مفاجأة وعليها خمس وثمانين شمعة. كانوا متحمسين للغاية، وبالكاد استطاعوا الانتظار. سرعان ما ستُشعل كلّ تلك الشموع وتحمل الكعكة إلى غرفة الطعام من أجل التحلية بعد الطعام. سيغني الجميع: “عيد ميلاد سعيد”.

كان الجد بلان، المعروف أكثر باسم الكاوبوي بيل في سنوات شبابه، يعرف هذا البلد عندما كانت قطعان كبيرة من الخيول تركض في جموح وحرية فوق أرض برية جون داي. لقد أمسك بالمئات منهم، ودرب العديد منها لأجل سلاح الفرسان الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى. كان يعرف عن الخيول أكثر من أي شخص آخر، واعتقد كلاهما أنه أفضل راعي بقر.

لم يكن الكاوبوي بيل يتحدث عن الخيول على الطاولة تلك الليلة. كان الراشدون يناقشون الكتاب المقدس. يذكر الكتاب المقدس أن الشيطان يمكنه أن يحول نفسه “إلى ملاك نور” (‏٢ كورنثوس ١١: ١٤). يرغب الشيطان في استخدام جميع أنواع الديانات الزائفة لمنع الناس من دراسة الكتاب المقدس. بدلاً من قراءة كلمة الله ومعرفة ما يقوله الله، يكون الناس على استعداد لقبول التعاليم الكاذبة. هؤلاء مُقدّر لهم أن يكونوا مقيدين معاً ليُحرقوا (‏متى ١٣: ٣٠). لقد اختاروا أن ينخدعوا، مدعين أنهم على الطريق الصحيح إلى السماء.

يتحدث الكتاب المقدس أيضًا عن الشيطان كأسد يزأر “يجول ملتمسًا من يبتلعه”. (‏١ بطرس ٥: ٨). كثير من الناس اللا مبالين، الذين لا ينتبهون إلى تحذيرات الأهل أو المسيحيين الآخرين، يسيرون مباشرة إلى معقله المتمثل بتدمير الذات. غالبًا ما يستخدم الشيطان الخوف لإبعاد الناس عن قراءة الكتاب المقدس الذي يحتوي على كتابات الرسل الحقيقيين وكلمات يسوع.

قال الكاوبوي بيل: “هذا يذكّرني بيوم صيفي دافئ عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري. قالت والدتي إن هناك بقرة حلوب جيدة على وشك أن تلد عجلًا في حقول العشب البعيدة. سألتني أن أخرج وأجدها وأحضرها إلى الحظيرة قبل أن تنجب عجلاً. ثم سنكون قادرين على الحصول على الحليب بعد ولادة العجل”.

“حسنًا، لقد سرجتُ مُهْراً كنتُ قد قمتُ بتدريبه، وركبته لمسافة أربعة أميال تقريبًا من المنزل إلى حيث كان القطيع يرعى. رأيتُ غيومًا كبيرة تتحرك وتصبح قاتمة أكثر فأكثر، مع أصوات الرعد الصاخبة وومضات البرق الساطعة. وسرعان ما بدأت تهطل قطرات مطر كبيرة، وارتفع صوت العاصفة الرعدية أكثر. تبللتُ حتى جلدي بسبب المطر، وقررت أنه من الأفضل العودة إلى المنزل. أدرتُ المهر وتوجهت عبر واد ضيق، لأنه كان أقصر طريق للعودة إلى المنزل”.

“كانت شجرة كبيرة قد سقطت بسبب الرياح العاتية. لقد سقطت الشجرة عبر الوادي، لكن كان هناك متسع كبير لأمر تحتها. لذلك، بدأت في السير على الدرب بوتيرة جيدة. كان المهر متوترًا، لكنه بدا عارفاً أننا ذاهبون إلى المنزل. لم يكن بحاجة إلى الكثير من الحث، حتى اقتربنا من موقع سقوط الشجرة. وفجأة، التفّ وتوجه إلى أعلى التل. أدركتُ أنه كان خائفاً من البرق وهدير الرعد، لذلك سحبتُ مقاليده إلى الخلف وأدرتُه ليتجه عائداً إلى أسفل الوادي”.

“لم نكن قد ذهبنا بعيدًا مثل المرة الأولى، عندما شبَّ المهرُ واستدار ليذهب بعيدًا. لم أستطع إيقافه على الفور. وعندما أوقفت المهر، أمسكت اللجام بقوة. كنتُ عازماً على أن أجبره على المرور تحت جذع الشجرة هذه المرة. أمسكت باللجام بقوة ولكزتُ المهرَ أحثه على الجري بسرعة. وإذ كنا على وشك الوصول، رفعتُ عيني وألقيتُ نظرة خاطفة، فرأيتُ فوق جذع الشجرة، أسدًا جبليًا ضخماً مستلقياً هناك. كان رابضًا على الممر، يراقبنا مثل قطة تراقب فأرًا، ويهز ذيله، جاهزًا للانقضاض على الفريسة. “

اتسعت عينا راندي بشدة. شعر بالشلل تقريبا من الخوف، وهو يستمع إلى القصة. لقد نسي كعكة عيد الميلاد. نسي الطعام في طبقه. وقال الجد بلان بهدوء: “هذه المرة، أدرتُ الحصان، وركض الحصان مبتعداً بسرعة”.

الشيطان يجول كأسد يزأر “باحثًا عمن يبتلعه”. ١ بطرس ٥: ٨. أيمكننا رؤيته؟ لا، لا نستطيع رؤيته، لكن الله يعطينا تحذيرات واضحة نتبعها. يقول لنا ألا نسير في مشورة الفجّار، وألا نقف في طريق الخطأة، وألا نجلس في مجلس المستهزئين. (‏مزمور ١: ١). “لأن الرب يعرف طريق الأبرار؛ أما طريق الأشرار فتبيد”. مزمور ١: ٦

قال داود في العهد القديم،

“يا رَبُّ إِلهِي، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. خَلِّصْنِي مِنْ كُلِّ الَّذِينَ يَطْرُدُونَنِي وَنَجِّنِي،

 لِئَلاَّ يَفْتَرِسَ كَأَسَدٍ نَفْسِي هَاشِمًا إِيَّاهَا وَلاَ مُنْقِذَ..”.

مزمور ٧: ١ و ٢.

 

اطْلبوا أولاً

فَرْقَعَ الخشبُ المحترق وطقطقَ في المدفأة الكبيرة. انعكس لهيب النيران الساطعة في عيون الفتية الذين تجمعوا عند قدمي الكاوبوي بيل. إذ كان يفكر في حياته الماضية، أخبر قصصًا عن مغامراته الحقيقية منذ سنوات عديدة.

سأل أحدُ الصبية، “هل سبق لك أن أمسكت بالحصان الرئيس لقطيع من الخيول البرية؟”

“حسنًا، نعم، كان هناك واحد ..”. ومضت عيناه وهو يفكر لوهلة في سنوات شبابه. “قد لا تنتهي هذه القصة بالطريقة التي قد تفكرون بها. سأخبركم عن فحل أسود جميل رأيتُه على رأس قطيع من الخيول البرية. كانت هذه الخيول البرية تجول على الجانب الآخر من النهر بالنسبة إلى موقع منزلنا”.

بين الفينة والأخرى، كنت أرى الفحل الأسود فوق التلال البرية البعيدة أو في أسفل الوادي. كان هناك عشب أخضر للأعلاف لأفراسه في أسفل الوادي”.

“لو كنا اقتربنا من الفحل في يوم من الأيام، فإنه كلن سيقود قطيعه إلى ملجأ ومخبأ. ثم كان سيرجع إلينا، مع رقبة محنية إلى الأسفل وأسنان بارزة. ولكن ما كنا لنستطيع أبداً أن نقترب منه بما يكفي لرمي حبل حول رقبته. لقد كان ذكيًا جدًا وسريعًا جدًا. أوه، كم تمنيت لو أمسكتُه بالحبل!”

“حلمتُ أن الفحل الأسود سيكون حصانًا مُسرجًا رائعًا. لو استطعتُ أن أمسكه بالحبل وأدربه بعناية ليكون حصاني الخاص، لكنتُ سأسمّيه “برق”. وبعد قليل كان سيصبح برق صديقاً لي بعد أن أكون قد صرتُ صديقاً له”.

“هل رغبتم يومًا في شيء بشدة هكذا، حتى أنكم كنتم ستحلمون به في الليل؟ حسنًا، لقد شعرت بهذه الطريقة نحو برق. ولكن قلّما كنت أراه. كنتُ أراه بين فترات متباعدة جداً. عندما كانت خيوله تكاد تبلغ العام من العمر، كان يقودها إلى مكان آخر للرعي في التلال، حيث كان في مقدورهم تكوين قطيع خاص بهم”.

“عندما كان برق يراني من مسافة بعيدة، كان يصدر صوتًا تحذيريًا ويقوس ذيله ويهرول في اتجاه معاكس. كان برق يعرف الريف بشكل أفضل مني، لأنه نشأ هناك وكان على دراية بالأرض. كل منحدر وجلمود صخر في تلك البرية كان بمثابة خريطة طريق له. لقد كان يعرف أين يذهب”.

“في خريف أحد السنين، طوقتُ أنا وأخي حوالي مائة حصان بري. خططنا لقيادتهم عبر الصحراء وشحنهم من أقرب محطة سكة حديد”.

“في الليلة التي سبقت مغادرتنا، تساقطت الثلوج. ومع ذلك، قررنا الاستمرار في خططنا لليوم التالي، حيث لم يكن الجو شديد البرودة. بل حتى كان بعض الثلج يذوب، ثم هطل المطر. خيمنا على الحيد ليلاً. كانت درجة الحرارة شديدة البرودة. لقد تجمدت قشرة سميكة من الجليد فوق الثلج. قمنا بربط أكياس الخيش حول أرجل الخيول. لم نكن نُريد أن تُصاب الخيولُ بجروح وتقرحات في أرجلها من كسر الجليد على درب البرية”.

“عندما نظرنا إلى أسفل الوادي في ذلك الصباح، رأينا قطيعًا من الخيول البرية يرعى والفحل الأسود أيضًا. لقد كان ذاك الفحل الذي كنتُ أرغب به بشدة. لقد كان محاصرًا هناك بسبب الثلوج العميقة مع وجود درب واحد فقط للخروج من الوادي. صعدنا، وصفّرنا، ولوحنا بقبعاتنا عدة مرات لإخافتهم ليخرجوا من الوادي. وعلى الممر، جاء الفحل، وعيناه متقدة وأسنانه بارزة”.

“حاول الفحل أن يترك الدرب عدة مرات ليذهب في اتجاه آخر، لكن القشرة الجليدية كانت قاسية جدًا. يمكن أن تحمل القشرة الجليدية تقريبًا وزن الحصان، ولكن ليس تمامًا. كان يجاهد ثم يعود إلى الدرب. قادهم الدرب مباشرة إلى الحظيرة الكبيرة! لقد أمسكت به! لكن لم يكن ذلك بسبب ذكائي أو عملي. كان فقط بسبب الظروف الجوية. كنت سعيدًا جدًا. لم أصدق أنه كان أمراً حقيقياً”.

“لقد استخدمتُ رسنًا لبدء تدريب برق ذلك الخريف. احتفظتُ به في الحظيرة حتى الربيع التالي. ثم أخذتُه إلى مزرعتنا لمزيد من التدريب. ولكن، هل تعلمون؟ تغير شيء ما. عندما أدرك برق أنه فقد حريته، “استسلم!”. ما عاد يكافح من أجل الحرية. ذهبت كل معنوياته وكفاحه. وصار اثنان أو ثلاثة من إخوتي وأخواتي يمتطونه إلى المدرسة كل يوم”.

“ولكن هذه هي الحياة، على ما أعتقد. نحن نفكر بأننا بحاجة إلى شيء ما كثيراً لدرجة أننا لا نعود نستمع إلى أي شخص أو أي شيء. نحن نعمل بجد للحصول على ما نريد. ولكن، عندما نحصل عليه في النهاية، نتساءل لماذا أردنا ذلك إلى تلك الدرجة؟ لا شيء في هذا العالم يرضي قلوبنا حقًا لفترة طويلة”.

اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ”.

متى ٦: ٣٣.

 “الأَشْيَاءُ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ”.

٢ كورنثوس ٤ :١٨.

سنكون حكماء حقًا، إن جعلنا اهتمامَنا “بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ”. كولوسي ٣: ٢.

 

فخر حياته

أينما كان الكاوبوي بيل، كان هناك عادة مجموعة من الأطفال على كلا الجانبين منه. كانوا مليئين باللهفة والأسئلة. كان يحب الأطفال، ولم يبدُ أبدًا أن روحه المرحة وأقواله الهادئة تخيب آمالهم.

سأل سام: “عندما كنتَ صغيرًا، هل كنتَ ترتدي قبعة رعاة البقر وكذلك أحذية رعاة البقر طوال الوقت؟” “حسنًا، نعم، أفترض أن الجميع تقريباً كان يرتديها عندما كنتُ في عمرك. أيضًا، كان لدي واقيا رعاة بقر مصنوعان من جلد ماعز الأنقورة. كنت أراهما رائعين حقًا. لقد صُنعا من الواقيين الجلديين اللذين كانا لأبي عندما حصل على زوج جديد منهم. عندما حصلتُ عليهما، شعرتُ بأنني كبرت، وكنتُ فخوراً جدًا بهما. لم أرغب في خلعهما حتى في الليل، عندما كنتُ أخلد إلى الفراش”.

“ذات مرة، عندما كنتُ في الحادية عشرة من عمري، كنت أساعد أحد الجيران في نقل ما يقرب من مائة رأس من الماشية إلى هيبنر لشحنها. كانت تبعد حوالي ستين ميلاً، وكان علينا أن نجعل الأبقار تسبح عبر نهر جون داي. لم تكن هناك جسور عديدة في تلك الأيام، على الرغم من وجود عبّارة تعبر بلدة أرلينغتون الصغيرة المجاورة لنهر كولومبيا”.

“كنت أمتطي مهري البقري الصغير الذي دربتُه في عيد ميلادي التاسع. لقد كان مهرًا جيدًا، وكان يعرف كيفية الحفاظ على الماشية معًا. على أي حال، عندما وصلنا إلى النهر، تبع القطيع في النهر. عبرنا النهر حيث كان ضحلًا. كان ذلك في الخريف، وكانت المياه منخفضة جدًا، باستثناء الوسط حيث كان عميقًا دائمًا”.

“كان الوقت متأخرًا بعد الظهر في بلدة سبراي الصغيرة. كان الأطفال يغادرون المدرسة، وكانوا في طريقهم إلى المنزل. وبطريقة ما، سمع الأطفال أن قطيعًا من الماشية كان يسبح عبر النهر. وتجمعوا على طول الشاطئ لمشاهدة الماشية تسبح، لكن هذا أخاف الماشية، وخافوا من الاستمرار في عبور النهر”.

“كانت الأبقار تخور بصوت عالٍ واستدارت في المياه العميقة. كان مهري يسبح في الجانب البعيد من القطيع. خرج رئيسي على الجانب الآخر من النهر. صرخ في وجهي قائلاً: “أبقِهم يتحركون، يا بيلي، أبقهم يتحركون!” كنت أبذل قصارى جهدي لإبقائهم يتحركون إلى الأمام، لكنهم استمروا يتحركون حولي. وفجأة، غرق مهري تحت الماء، وسقطتُ من على المهر. ما كنتُ أستطيع السباحة. حتى لو كان بإمكاني السباحة، ما كنت لأستطيع السباحة بسبب معطفي الثقيل وواقيي الأنقورة الجلديين. كان كل شيء مشبعاً بالماء. لا أعرف كيف حدث ذلك، لكن عندما صعدتُ إلى السطح، كنتُ ممسكاً بذيل مهري. لقد أمسكتُ بذيله بقبضة حياة وموت، بينما سبح المهر بي إلى الشاطئ. لولا رحمة الله لكنت غرقت”.

يخبرنا الكتاب المقدس،

“قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ”.

أمثال ١٦: ١٨

أنهى الكاوبوي بيل قصته عن الدرس المهم الذي تعلمه، قائلاً: “كنت فخورًا جدًا بواقيي جلد الأنقورة الجميلين، لكن وزنهما الرطب دفعني إلى أسفل في الماء. لقد كادا يسببان الغرق لي. واقيا الجلد كانا هلاكاً لي تقريبًا”.

كل ما يرفعنا قد يُنزلنا، … . إذ،

“يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً”.

يعقوب ٤: ٦

“أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هذَا حَقٌّ.

«أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ»، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ”.

أفسس ٦: ١، ٢

 

كما نزرع

في الوقت الذي كانت فيه آخر معقصة شعر في شعر بيث، أسقطت بيث ذراعيها إلى جانبيها. لقد تأوهت أكثر مما تنهدت. كان يوم السبت دائمًا يومًا شاقًا للعائلة. الليلة كانت عدة فتيات ستبقين هناك لقضاء الليل. لقد خططن لتشاطر غرفة النوم الكبيرة في الطابق العلوي في منزل المزرعة القديمة التي كانت تطل على الطريق والحظيرة.

كانت بعض الفتيات يجلسن القرفصاء على أسرتهن مع دبابيس شُرطية في أفواههن. كانت واحدة أو اثنتان أيضاً قد غطتا في النوم بينما كانت الفتيات تتحدثن بهدوء.

تم تغيير الأسرة حديثًا، وسيكون من المريح الاستلقاء بين الملاءات الباردة الناعمة. ألقت بيث بمشطها في درجها. لاحظت أنه من الضروري ترتيبه قليلاً. فقامت بذلك في ضجر، حيث نقلت الزجاجات الصغيرة إلى جانب وجزدانها بأناقة إلى الجانب الآخر. أخذت الكومة الصغيرة من بطاقات عيد الميلاد لتنظمها – وإذا بها تبصر، وتكاد لا تصدق، ورقة نقدية من فئة الخمسة دولارات تبدت لها للتو.

هتفت قائلة: “مهلاً، احزروا يا فتيات. ها هو مال حصادي الذي فقدته!” لوحت بالورقة الخضراء فوق رأسها بابتهاج، وراحت تثب فرحاً.

و”لكن كيف وصلت إلى درجي؟ أعلم أنني بحثت في درجي عشرات المرات من قبل؟” كانت في حيرة كبيرة من الظهور المفاجئ لمالها الذي كانت قد أضاعته منذ فترة طويلة.

لقد عملت بيث بجد لمساعدة والدتها في المطبخ خلال أيام الحصاد الحارة. كان هذا أول مال تكسبه على الإطلاق. لقد كان يعني لها الكثير حقاً. ربما أكثر من اللازم، وكان عليها أن تفكر في الفرق بين أن تكنز كنوزاً في السماء وأن تتعلق في قلبها بكنزها في الأسفل هنا. على الأقل، رغبتها في مساعدة والدتها وجهودها لخدمة الآخرين لم تذهب سدى. كان هذا شيئًا سيكافئها الرب عليه بنفسه. كان هذا التفكير يريحها في خسارتها، رغم أنها كانت لا تزال مضطربة بسبب ذلك الأمر. الآن شعرت بالارتياح والاسترخاء. فلم تتعرض للسرقة في نهاية الأمر. كل ما هنالك هو أنها وضعت الشيء في غير مكانه.

قامت بطي الورقة النقدية ذات الخمسة دولارات عدة مرات ووضعتها بعناية داخل بطاقة عيد ميلاد في الدرج. لم تكن تريد أن تضيعها مرة أخرى. هذه المرة كانت في أمان! ركعت في الصلاة لتشكر الرب من قلبها الممتن، وصعدت إلى السرير وتلوّت من الفرح تحت الأغطية.

ذهبت جميع الفتيات إلى الفراش واحدة تلو الأخرى. قبل أن أطفأت الأخيرة الأضواء، كانت بيث نائمة. تلألأت النجوم في سماء الليل، وحل الظلام المخملي الناعم فوق منزل المزرعة بين التلال.

سأل يهوذا ذات مرة: “لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟ قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ”. يوحنا ١٢: ٥- ٦. لم يُدِن هذه الخطية في قلبه. كان يعتقد أن لا أحد يعرف. الخطايا الصغيرة تكبر إن لم يتم الاعتراف بها والتخلي عنها. خان يهوذا الرب فيما بعد مقابل ثلاثين قطعة من الفضة.

تدفقت أشعة الشمس عبر النافذة في صباح اليوم التالي، عندما استيقظت بيث. كان المال الذي وجدته من أول أفكارها. وثبت من السرير وذهبت إلى خزانة الملابس. أرادت أن تُطمئن نفسها بأن إيجادها للمال لم يكن مجرد حلم.

عند فتح درجها، أخذت بيث البطاقة التي وضعت نقودها فيها. لكن عندما فتحته، لم يكن هناك شيء. بالتأكيد، لا بد أنه سقط من هناك! بحثت في كل مكان. رفعت كل شيء وأفرغت كل شيء من الدرج. لكنه راح. لم يكن هناك مال تعثر عليه!

حتى في خيبة أملها المفاجئة، لم تتهم بيث الفتيات الأخريات بأخذ مالها. لقد أوكلت الأمر كله إلى الله. لقد فهمت أن الرب يعرف الجواب. قال الملك داود للنبي ناثان أن المذنب الذي يأخذ ما ليس له “سيعيده … أربعة أضعاف”. ٢ صموئيل ١٢: ٦. الرجل المذنب هو داود نفسه. كان مؤلمًا ومحزنًا أن يتحمل داود عواقب خطيته لبقية حياته. بما أن الله عادل، فيجب أن يعاقب الله الخطيئة. يجب أن نتعلم أننا نسبب لأنفسنا الكثير من الحزن في حياتنا عندما نخطئ. قد نأخذ شيئًا ليس لنا، ونخفيه بأمان بعيدًا عن صاحب الحق، ولكن لا يمكننا أن نخفيه عن الله. فالله يرى كل شيء!

“عَيْنَا الرَّبِّ تَجُولاَنِ فِي كُلِّ الأَرْضِ “

أخبار الأيام الثاني ٩:١٦،

ولا يمكننا أن نخفي أي شيء عن الرب.

“مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ”.

أمثال ٢٨ :١٣.

 

الكهف

عادة، يعتقد الأولاد والبنات أنه من الممتع ركوب الخيل ورعاية الماشية. ومع ذلك، اعتقد ثلاثة أشقاء صغار أن الأمر مجرد عمل، وليس متعة، أن ترعى الأبقار يومًا بعد يوم طوال الصيف في صحراء أيداهو. كانت أسماؤهم سام وراندي وهيرب. كل صباح، كانوا يقودون ماشية أبيهم على الطريق، ومن عدة مزارع مجاورة كان يُضاف المزيد من الماشية إلى القطيع. كان الأولاد يقودون القطيع إلى البرية للعثور على عشب للماشية. وفي المساء، يعود القطيع إلى المزرعة مرة أخرى. في بعض الأحيان، كان صبي الجيران، جون، يرافقهم.

كانت رياح ساخنة تهب عادة في الصحراء. وسرعان ما كان الماء يدفأ في مطراتهم. لم يكن الجهد المبذول لمنع الماشية من الشرود صعبًا للغاية، ولم يكن يشغل اهتمامهم بالكامل. ذات صباح، تركوا خيولهم ترعى، بينما كانوا يلعبون حول بعض الضفاف الترابية. وخطرت لهم فكرة. لماذا لا يصنعون لأنفسهم ملجأ، كهفًا حقيقيًا، يكون كبيرًا بما يكفي لدخولهم جميعًا؟ بدت فكرة عظيمة. جاء جون في ذلك اليوم أيضًا، وصار رابعهم. في الحال، بدأوا بالحفر مستخدمين أي شيء أمكنهم العثور عليه.

كاد الصبيان أن ينسوا أمر القطيع، ولم يلقوا نظرة إليه إلا بين الحين والآخر. باستخدام علبة قديمة كمغرفة ودلو لحمل التراب الرخو، سرعان ما أصبحت لديهم فتحة جيدة الحجم في الضفة. كان التراب رخواً ورملياً ويسهل حفره. لم يمضِ وقت طويل حتى أصبح الكهف عميقًا بما يكفي ليحشر سام نفسه داخله. جرفَ التراب الرخو نحو الآخرين كي يحملوه بعيدًا. بعد المزيد من الحفر، أمكن لهيرب الدخول أيضًا. كانوا متحمسين للغاية للكهف، وبالكاد انتبهوا إلى مرور الساعات السريع.

كان سام وراندي وهيرب أولادًا لآباء مسيحيين. في وقت مبكر من حياتهم، تعلموا الكتب المقدسة القادرة على أن تجعلنا “حكماء للخلاص” (‏٢ تيموثاوس ٣: ١٥). مثل العديد من الأولاد الصغار، كانوا غير مبالين بالتحدث إلى رفقائهم، لتحذيرهم من الأبدية – وأنه يجب على الجميع تقديم حساب لله عن خطاياهم.

إنه لأمر رائع أن تُغفر خطايانا وأن نعرف أنها قد غُسلت “بدم المسيح الثمين” (‏ ١ بطرس ١: ١٩). بعد أن تُغفر خطايانا، “لن نقع تحت دينونة”. (‏يوحنا ٥: ٢٤).

ولكن هناك الكثير بعد. لقد “وُلِدنا ثانية” (‏يوحنا ٣: ٣) في عائلة الله، وعلينا أن “نضيء كأنوار في العالم” (‏فيلبي ٢: ١٥).

أصبح الكهف الآن كبيرًا بما يتسع لسام وهيرب وجون. راحوا يعملون داخل الكهف، بينما وقف راندي خارج المدخل. جمع سام آخر دلو من الرمل وناوله إلى راندي ليفرغه. دون سابق إنذار وبدون توفر وقت للنجاة، غطتهم الرمال الثقيلة والتراب. وساد ظلام على الفور! لقد أصبحوا محتجزين في الكهف! طرأت فكرة مفاجئة على ذهن سام، فقال، “يا جون، هل خلصتَ؟” لم يكن هناك وقت للرد أو الحديث عن الخلاص. حل الظلام الدامس على الأولاد الثلاثة المدفونين في كهف البرية.

خارج الكهف، وقف راندي والدلو لا يزال في يده. حدق في البقعة التي كان المدخل فيها قبل دقيقة.

اختفى مدخل الكهف. لم تعد هناك إمكانية لإعادة الدلو إلى الأولاد. ماذا كانوا يفعلون؟ يختبئون منه، على الأرجح.

ناداهم بأسمائهم لكنهم لم يجيبوا. رغم أنه كان صغيراً، كان يعلم أن الوقت قد حان لأخذ القطيع إلى المنزل. بدأ في البكاء لأن الأولاد لم يساعدوه. بطريقة ما، شعر بالخوف عندما نظر إلى الضفة الرملية. كانت سليمة، وكأنها لم تُمس من قبل. حسنًا، لم يكن هناك أي فائدة من الوقوف هناك. امتطى ظهر حصانه جمال. لقد جمع الماشية بنفسه. مع إلقاء عدة نظرات إلى الخلف لرؤية الأولاد، قاد القطيع نحو البلدة الصغيرة.

أول منزل مر به كان منزل السيد ويستفول. رأت السيدة ويستفول راندي يبكي، وخرجت لترى ما هي المشكلة. على الرغم من أن قصة راندي لا تبدو منسجمة مع بعضها البعض، إلا أنها شعرت أن هناك شيئًا ما خطأ بشكل خطير. اتصلت بزوجها. دون إضاعة الوقت لمزيد من الكلمات، أنزل السيد ويستفول راندي عن حصانه، وامتطى جمال وركب سريعًا نحو مكان المشكلة.

في منزل صغير على الطريق، حيث اصطف صف من أشجار الحور الطويلة على طول الممر، كان العشاء جاهزًا تقريبًا. كانت الأم تنظر من نافذة المطبخ كل بضعة دقائق لترى ما إذا كان أولادها الجائعون قد أحضروا ماشيتهم إلى المنزل. رفعت غطاء غلاية الفاصولياء التي كانت قد أعدته. وقالت: “أتساءل ما الذي يبقيهم كل هذا الوقت؟”

سارت سيارة إلى منزل الأم. كانت السيدة ويستفال هي التي وصلت. علمت الأم بما حدث. انتشر الخبر بسرعة، وتجمع حشد كبير. سارعوا، حاملين المعاول والملاءات، لإنقاذ الأولاد – والقلوب جميعها تصلي. راح الرجال يحفرون بيأس بالمجارف، وتسعى النساء إلى مواساة أمهات الأولاد.

تم رفع جثة هيرب الصغير أولاً. كان شعره البني المجعد ممتلئًا بالرمال، لكن وجهه الصغير كان هادئًا. لمعرفتهم بأن روحه كانت مع مخلصه، كان والديه الأعزاء في حالة تعزية وهدوء. وهذا ساعدهم في حزنهم.

كانت والدة جون مستاءة للغاية عندما تم الكشف عن جسد ابنها المهلهل. فحصوه بقلق بحثًا عن بعض علامات الحياة. شعر صيدلي البلدة بنبضه. انحنى واستمع إلى قلبه. نبضة قلب خافتة – ثم نبضة أخرى. نعم، ما زالت هناك حياة. كان هناك أمل. كانت هناك رحمة امتدت. لقد عملوا بجهد لإحياء الصبي الفاقد الوعي. يا لدموع الارتياح التي ذُرِفت عندما فُتحت عينيه أخيرًا. كانوا شاكرين للغاية، عندما علموا أنه سيعيش.

بحلول هذا الوقت، تم إنقاذ سام. رغم أن أنفه وفمه كانا ممتلئين بالتراب، إلا أنه كان لا يزال على قيد الحياة. ترعرع سام وكوّن عائلته الخاصة. علَّم أولادَه محبةَ الله وطريق الخلاص. ومع ذلك، كان هيرب الصغير موجودًا بالفعل في السماء مع الرب يسوع وآمنًا إلى الأبد، لأنه قَبِلَ الرب يسوع وعرفه مخلصاً لنفسه. لو لم يكن هيرب قد خلص بالفعل، لما كان هناك وقت لتغيير فكره. هل أنت مستعد؟

“هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ”.

٢ كورنثوس ٦: ٢.

“لاَ تَفْتَخِرْ بِالْغَدِ لأَنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مَاذَا يَلِدُهُ يَوْمٌ”.

أمثال ٢٧: ١

“أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ،

 لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”.

متى ٥ :١٤، ١٦

 

النار!

عندما انتهت العائلة من تناول الطعام، اعتذر سام وراندي عن الانضمام إلى مائدة العشاء. عندما يكون لديهم زوار، فعلى ما يبدو أن الأشخاص البالغين كانوا مهتمين دائمًا بالمحادثة، بينما يكون الأولاد متلهفين للقيام ببعض ركوب الخيل.

كان الوقت في أواخر الصيف، لكنهم نادراً ما كانوا ينتبهون إلى الحرارة أثناء سيرهم عبر الأعشاب الجافة المغبرة إلى الحظيرة، حيث كانوا يحتفظون بالخيول.

فجأة وقعت عينا سام على شيء بعيد. “انظروا!” أشار بذراعه إلى عمود واحد من الدخان يتصاعد من خلف الجانب الأيمن من التلة.

خوفاً من عمود الدخان الأسود المتصاعد، سكن الولدان للحظة. ثم، وباندفاع سريع، هرع كلاهما إلى المنزل.

“هناك حريق!” أجفلت رسالتهما المنقطعة الأنفاس الجميع. تُركت الأطباق على الطاولة، إذ اندفع الجميع إلى الخارج ليروا مدى قرب الحريق. كان يمتد بسرعة. بدا أنه يأتي من خلف التل حيث كان حقل الشوفان ناضجًا بما يكفي للحصاد.

إن لم يكن الشخص قد عاش في بلد فيه حقول حبوب كبيرة، فقد لا يتمكن من تصور خطر نشوب حريق. قفز سام وراندي وعدة رجال في سيارة وتوجهوا بسرعة باتجاه الدخان. كانت أبعد مما تبدو، لكنها كانت خطيرة للغاية. اندلع الحريق في الحقل الذي يحوي بقايا حصاد الجيران، وكان متجهًا نحو مبانيهم. أخذ بعض الرجال أكياسًا مبللة للتغلب على النار. واستخدم رجال آخرون مجارف مليئة بالتراب لإخماد النيران. وسرعان ما وصل جيران آخرون بجراراتهم ومحاريثهم للمساعدة في وقف الحريق. إحدى الحظائر كانت تخزن بذور القمح للزراعة في الخريف. وعلى الرغم من كل الجهود اليائسة التي بذلها الرجال في محاربة اقتراب النيران، إلا أنها كانت تقترب أكثر فأكثر من الأبنية. أخيرًا، أشعلت النيران أحد جوانب المبنى. احترق الجمر خلال الألواح على السطح. بعد فترة وجيزة، أدرك الجميع من خلال تدفقات الدخان الأسود الكبيرة أن الحظيرة ستدمر.

أخيرًا، وصلت معدات مكافحة الحرائق، وتم السيطرة على الحريق في نهاية الأمر. كم كان الجميع شاكرين للرب على رحمته! لم يحترق أحدٌ بلهيب النار، وتم إبعاد النار عن جميع المنازل.

منذ وقت ليس ببعيد، اندلع حريق في حقل بالقرب من بلدة يوريكا الصغيرة. رأى النارَ بضعةُ رجال، الذين كانوا يركبون عربة يدوية تسير على القضبان بالقرب من الحقل. توقفوا بسرعة لإطفاء النيران. ولكن على الرغم من بذلهم قصارى جهدهم، سرعان ما تحولت النار إلى جحيم مستعر. رأى المزارعون المجاورون الدخان من مسافة بعيدة، وبدأوا على الفور في حراثة خندق عريض عبر حقل من المحتمل أن يكون في مسار النيران. لقد أرادوا إنشاء حاجز من التراب يكون عريضاً بما يكفي لمنع الحريق من التقدم عبر الحقل. وبينما كانوا يحرثون لإنقاذ محاصيلهم، شاهدوا النيران تقترب أكثر فأكثر نحوهم. في نهاية الممر، كانوا يديرون جراراتهم ويحرثون المزيد لتوسيع السبيل. كانت النيران تتجه نحوهم بسرعة. أخيرًا، حولوا جراراتهم بعيدًا عن النار هربًا من الزئير والدخان والجمر المتطاير. لقد وضعوا جراراتهم في حالة تأهب قصوى للإسراع بعيدًا. النار كالدينونة؛ لا تتوقف عند الأسوار، ولا تحترم الأشخاص أو الممتلكات في مسارها المدمر.

عندما وصلت النار، قفزت فوق شريط الأرض المحروثة. وجد الرجال أنفسهم في سباق للبقاء على قيد الحياة. “إنها تتغلب علينا – علينا أن نستدير ونحاول العودة عبر النار!” صاح السائق. “يا رجل، لا يمكنك فعل ذلك!” صاح الآخر. “إنها فرصتنا الوحيدة!”

أدار الجرار وواجه جدار النيران المتقدم. كانت الحرارة شديدة وفظيعة، لكنه جثم منخفضاً فوق الجرار وأدار علبة السرعة إلى السرعة القصوى. قفز الرجل الآخر وبدأ يهرب من النار بأسرع ما يمكن.

على الرغم من أنه احترق وامتلأ جسده بالقروح، إلا أن الرجل على الجرار نجا وعاش ليروي القصة. من المحزن أن نقول إن الرجل الآخر جازت عليه النار ومات. ستقع الدينونة على هذا العالم الخاطئ، لأن كلمة الله صادقة. دينونة الله، مثل النار، لا تحترم الأشخاص. هناك طريقة واحدة فقط للنجاة – وليس هناك فرصة في ذلك! إنها أكيدة ومحتومة، فقد تكلم الله. لا تحاول الهرب من الحقائق، بل أقرّ بخطاياك وذنوبك واعترف أمام الله. اعترف بالرب يسوع المسيح، على أنه من مات من أجل خطاياك على صليب الجلجثة. يقول الله،

” اِرْجِعُوا، ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ! فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ…؟”

حزقيال ٣٣: ١١.

تكون الخسارة كبيرة عندما يدمّرُ حريقٌ محاصيلنا أو منازلنا! مثل هذه الخسارة سوف تملؤنا بالحزن واليأس. لكنها كارثة أكبر بكثير أن يفقد المرءُ نفسَه وأن يقضي الأبدية في بحيرة النار.

“مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ!”.

عبرانيين ١٠: ٣١.

“مَنْ سَقَى أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِاسْمِ تِلْمِيذٍ،

 فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ”.

متى ١٠: ٤٢

 

مقبول

كان لدى سام عِجْلة اكتسبها بنفسه. كانت عِجلةً صغيرة جدًا. لذلك أطلق عليها اسم “ضئيلة”. كان سام مُولعاً جدًا بعِجلته، وقد قدم لها عناية جيدة لدرجة أن عجلته ترعرعت لتصبح بقرة جيدة.

ذات يوم، أنجبت ضئيلة عجلًا جديدًا. يا له من عجل صغير لطيف! لقد كان مفعمًا بالحيوية والبهجة لدرجة أن عيني سام كانت تتلألأ عندما ينظر إليه. لم يكن يريد أن يطلق عليه اسمًا، إلى أن فكر باسم جيد حقيقي.

نعم، كان العجل مفعمًا بالحيوية. كان مفعماً بالحيوية لمصلحته. قبل أن يُعطى اسماً، نزل العجل تحت سياج وركض على الطريق أمام سيارة تقترب. العجول الصغيرة، مثل الأطفال الصغار، لا تدرك خطر الفرار. للأسف، صدمت السيارةُ العجل. بالطبع، كان سام شديد الأسف لأجل ذلك. وكذلك كانت ضئيلة. لقد ركضت مسعورة في هذا الطريق وذاك، تنادي عجلها. لم تتوقف إلا قليلاً لأجل تناول الطعام أو الشراب.

قرر الأب أنه يجب القيام بشيء حيال الخسارة. ذهب إلى سوق الماشية، حيث كانوا يبيعون الماشية بالمزاد العلني. نظر حوله بحثًا عن عجل عمره يوم واحد. في النهاية وجد واحداً. كان عجلاً أسود صغيراً بوجه أبيض. اشتراه وأخذه إلى المنزل إلى ضئيلة.

نظرت ضئيلة إليه ونشقت نشقةً. هل أرادته؟ بالطبع لا. لم يكن العجل لها. لقد ركلته إلى الزاوية وظلت تصرخ وتخور بصوت عالٍ كما كانت تفعل دائمًا.

كان العجل الصغير المسكين رابضاً في الأسفل يرتجف في هكذا محيط غريب. كان خائفاً، وكان جائعاً جداً. عندما رأى الأب أن ضئيلة لن تُظهر أي تعاطف مع العجل اليتيم الصغير، خطرت له فكرة. نزع جلد العجل الذي تم دهسه وربطه حول العجل الأسود الحي. وهذا غير الأمور على الفور. نشقت ضئيلة عدة مرات، ثم دنت من العجل، وسمحت له بالحصول على الحليب الدافئ الجيد.

نحن نعلم ما هو الجوع والخوف والوحدة. ونتشجع عندما يُبدي لنا أحدهم اللطف والمودة. لا نتوقع من الحيوانات أن تفهم هذه المشاعر. في الواقع، كثير من الناس لا يفهمون عواطفنا، لكن الله يفهمها. لقد خلقنا، وهو يحب كل واحد منا، أينما كنا. في هذه اللحظة، يرى قلبَك. إنه يعرف كل شوقك، وأي مشاكل تجعلك محبطًا أو مثبط العزيمة. إنه يريدك أن تأتي إليه كما أنت. الله يقول: “مَحبّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُك، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَك الرَّحْمَةَ”. إرميا ٣١: ٣.

لقد بدا من المضحك حقًا رؤية بلاكي الصغير وهو يجول مع جلد فضفاض يتخبط هنا وهناك. ولكن ما كان أكثر إثارة للدهشة هو أن ذلك أحدث فرقًا في الطريقة التي تعاملت بها ضئيلة مع بلاكي. لقد كانت تلعق وجهه الأبيض الصغير اللطيف والنظيف، واعتبرت أنه عجلها. سرعان ما أصبح الجلد الإضافي فضفاضًا وسقط. بحلول ذلك الوقت، يبدو أن ضئيلة لم تلاحظ الفرق.

إن كانت الملابس الفاخرة لا تجعلنا مناسبين لحضور الله أو تجعلنا ننال حظوة في عينيه، فما الذي يمكن أن يصنع هذا؟ يحاول بعض الأطفال القيام بأعمال صالحة، مثل الذهاب إلى مدرسة الأحد وغيرها من الطرق، ليكسبوا طريقهم إلى السماء، لكن الله يقول: “كل أعمال برّنا هي كثوب عدة”. أشعياء ٦٤: ٦. صنع آدم وحواء غطاءً من أوراق التين، لكن أوراق التين لم تستطع إخفاء خطيئتهما عن أعين الله التي ترى كل شيء. ما أعظم رحمة الله إذ ألبسهم معاطف من جلد. فعل ذلك كي يريهم بوضوح أن الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها الوقوف أمامه كانت من خلال موت شخص آخر. بالطبع، نعلم جميعًا أن موت حيوان صغير لا يمكن أن يزيل خطايانا. موت شخص عن شخص آخر هو مثال توضيحي عن موت الرب يسوع المسيح الذي مات من أجلنا. نحن نستحق أن نموت بسبب خطايانا، لكن يسوع أخذ مكاننا ومات من أجلنا. الرب يسوع كان حمل الله الحقيقي الذي سَفَكَ دمَه الثمين على صليب الجلجثة لتطهيرنا من كل خطايانا. كل من يؤمن به ينال استحساناً عند الله.

“لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ”.

أفسس ١: ٦.

“فَلاَ تَخَافُوا! أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!”.

متى ١٠: ٣١

“يَكُونُ فَرَحٌ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ”.

لوقا ١٥ :١٠

“أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ”.

متى ١٩ :١٤

 

دودلي – إوزة الثلج

ما إن توقفت حافلة المدرسة الصفراء الكبيرة لتركن طوال الليل بالقرب من منزل المزرعة الكبير، حتى قفز راندي على درجات الحافلة. وهرع إلى المنزل لتغيير ملابس مدرسته. لا تسكّع هذه المرة. سرعان ما أصبح جاهزًا وعاد للخارج مرة أخرى، وهو يركض في اتجاه الطريق. ركض وهو يحدق في الخنادق على جانبي الطريق. كان يبحث عن شيء لاحظه وهو في طريقه إلى المنزل من المدرسة.

في أسفل مجرى المياه، كانت إوزة الثلج البيضاء الكبيرة تمشي متألمة عبر الحشائش والصخور السائبة. كان الصيادون قد أطلقوا عليها النار وأصابوها في الجناح. سقطت إوزة الثلج على الأرض على نحوٍ أخرق، وهي تنادي في حزن رفيقها وأصدقائها الذين كانوا يطيرون في طريقهم جنوبًا لقضاء الشتاء. إذ ارتعبوا من إطلاق النار، طاروا تاركينها وحيدة بلا حول ولا قوة.

خيم ظل قاتم فوق إوزة الثلج، وهي تترنح وتسحب جناحها المصاب. كافحت دون جدوى بينما كانت يدا راندي القوية تمسك بها بإحكام. رفعها راندي برفق بين ذراعيه وحملها إلى المنزل.

وضع راندي الإوزة في منزل شاغر لحضانة صغار الدجاج. وضع لها أوعية من الماء العذب والطعام كي تأكل وتتقوى. ظل يعتني بها لأسابيع، ويجعلها تقضي بعض الوقت في خمّ للدجاج مفتوح في الخارج للحصول على الهواء النقي كل يوم. كان يرشها في بعض الأحيان برذاذ خفيف من الماء من الخرطوم. دودلي، كما سُمّيت، أحبت الماء الذي يُرش عليه.

أصبح راندي مولعًا بإوزة الثلج. في أحد الأيام، اتصل بمسؤول الحياة البرية لمعرفة ما إذا كان بإمكانه تحديد مكان رفيق لدودلي، فلا تعود وحيدة. في الصيف، يكون إوز الثلج في كندا، وتطير بعيدًا إلى الجنوب حيث تمضي هناك فصل الشتاء. لم تستطع خدمة الحياة البرية تقديم أي إوزة ثلجية.

ذات يوم ترك راندي البوابة مفتوحة بينما كان يضع بعض القمح في وعاء لدودلي. عندما استدار، كانت إوزة الثلج قد اختفت. سار دودلي عبر البوابة ونزل إلى حوض المياه حيث كان يمكن للأبقار شرب الماء. رفرفت دودلي بجناحيها واكتشفت أن جناحيها يمكن أن يتحركا بحرية وبقوة. كانت جروحها تلتئم بشكل جيد الآن. بعد فترة قصيرة، عادت دادلي إلى خُمّها ونظرت إلى راندي، الذي كان سعيدًا برؤية أنها لم تكن تحاول الهرب.

هل تعرف ما معنى أن تضيع؟ هل تعرف ما معنى أن تكون عاجزًا؟ حسنًا إذن، اعتبر نفسك للحظة مثل دودلي، مسافرًا نحو مصيرك الأبدي، لكنك تعرضت للضرر بسبب الخطيئة التي لن تسمح لك بالدخول إلى محضر الله المقدس. نعم، أنت مجروح وعاجز في حالتك الآثمة كما كانت دودلي. وسوف تتخلف عن الركب عندما يأتي الرب، إن خلصت الأم والأب والأخوات والأخوة، ولكن لم تقبل أنت رسالة الله للخلاص.

“لأن المسيح، إذ كنا بعد ضعفاء، مات في الوقت المعين لأجل الفجّار”. رومية ٥: ٦. المخلص هو الوحيد القادر على مساعدة الخطأة الهالكين. هو راغبٌ، وهو محب. لقد برهن على حبّه بتحمله عقاب خطايا كل من يؤمن. عانى يسوع عقاب الله على خطايانا على صليب الجلجثة. “بجلدته شُفينا”. أشعياء ٥٣: ٥.

عادت دودلي إلى خمّها وهي تصرخ “كواك، كواك، كواك”. ولكن بعد ذلك، لم تُقفل البوابة، لكي تتمكن من الدخول والخروج كما تشاء.

كانت دودلي تتغذى وتُحْمي بشكل جيد. لقد كانت إوزة ودودة واجتماعية. ومع ذلك، بدا أنها تشعر بالوحدة الشديدة. بدا وكأنها تنتظر وترتقب شيئًا ما. طوال فصل الشتاء، كانت تنتظر بصبر. أصبح من الواضح الآن أنها تستطيع الطيران بشكل جيد للغاية، إن رغبت في ذلك.

حلَّ الربيع في وقت مبكر هذا العام. مع طقس الربيع الدافئ، كانت أسراب الطيور تطير شمالًا باتجاه كندا. في وقت مبكر من صباح أحد الأيام، سمعنا الكثير من “هونك، هونك، هونك”. هل يمكنك أن تخمن أي نوع من الطيور كان ذاك! سمعت دودلي الصوت أيضًا، وشوهدت آخر مرة وهي تحلق فوق سطح المنزل باتجاه قطيع إوز الثلج الذي يرحب بها.

هل تترقب وتنتظر شيئًا أيضًا؟ هل أنت مستعد؟ كان جدٌّ عجوزٌ ذو شعر أبيض ينتظر ويستمع إلى شيء ما، على الرغم من أنه كان أصم تمامًا. لم يهتمّ الجد حول إذا ما كان سيتمكن من سماع الصوت. كان يعلم أن الصوت سوف يوقظ حتى الأموات في المسيح. كان الجد يقول دائمًا، “أول صوتٍ سأسمعه سيكون صوت الرب الذي يدعوني إلى السماء”. نعم، كان ينتظر سماع صوت مخلّصه الثمين. قريباً، سيدعو الرب يسوع أولئك الذين يخصّونه إلى بيته السماوي في العلاء. هل أنت من مفدييه؟ هل تسمع صوته ينادي؟

“قُومِي يَا حَبِيبَتِي، يَا جَمِيلَتِي وَتَعَالَيْ”.

نشيد الأنشاد ٢: ١٠.

عكست أجنحتها الثلجية البيضاء الخطوط المبكرة لفجر الصباح، حيث واصل سرب إوز الثلج الكندي رحلته الطويلة. لقد طاروا في السماء الزرقاء في الاتجاه الشمالي الحقيقي.

كان الثلج يتلألأ على المنحدرات العليا للجبال، وكانت البلدة الصغيرة في الأسفل لا تزال نائمة. على بعد أميال قليلة، تركت إوزة ثلجية السربَ بدورانها نحو الأسفل فوق مزرعة هادئة. طارت إوزة الثلج إلى حوض الماء، وبدأت تُبَطْبِطُ بصوت عالٍ. يا للاضطراب! لقد أيقظت بعض أفراد الأسرة النائمة. وتساءلوا بنعاس عما يحدث. “كواك، كواك!” سارت إوزة الثلج وهي تصيح وكأنها تسأل “هل يوجد أحد في المنزل؟”

إوزة الثلج لم تنسَ راندي وأرادت أن تقول، “شكرًا مرة أخرى”. دارت حول المزرعة عدة مرات وهي تنادي وتنادي… ثم بتحية وداع “كواك”، طارت بسرعة للحاق ببقية السرب.

في وقت لاحق على مائدة الإفطار سألت الأم، “هل سمعتم زائرنا هذا الصباح باكراً جدًا؟ هل كان يمكن لدودلي أن تتوقف لرؤيتنا هذا الصباح؟”

قال الأب، “حسنًا، يعيش إوز الثلج سنوات عديدة، ولديهم إحساس عميق بالحب والولاء. نعم، يمكن أن تكون هي دودلي بسهولة”. في كل خريف وربيع تقريبًا، كان أحدهم يسمع صوت بطبطة دودلي وهي تطلق رسالة شكر. من شأن هذا الصوت أن يدفئ قلوب العائلة الصغيرة في بيت المزرعة، حيث تبدت الرعاية المُحِبة لإوزة ثلج مصابة.

دعونا لا ننسى أبدًا أن نشكر ذاك الشخص الذي نزل إلى حيث كنا. لقد كنا ضالين هالكين وعاجزين، وقد أنقذنا على الرغم من مقاومتنا لمحبته.

“وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا،

 مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ،

 وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا”.

أشعياء ٥٣: ٥.

يخبرنا الكتاب المقدس أن الرب يسوع يرى حتى العصفور الصغير الذي يسقط على الأرض. إن كان المخلص ينظر إلى أسفل ويرى كل عصفور صغير، فلنتذكر كم يحب كل وجميع الصبيان والفتيات الصغار.

“أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟

 وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ. فَلاَ تَخَافُوا!

 أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!”.

متى ١٠: ٢٩، ٣١

“لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ،

 لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ،

 بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ”.

يوحنا ٣ : ١٦

“تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ،

 وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي،

 لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ،

 فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ”.

متى ١١: ٢٨، ٢٩