مقدمة

كانت مؤلّفة هذا الكُتيّب معروفةً لدى الكثيرين باسم «العمّة غلاديس». فقد كانت تحبّ الأطفال وكانت تحبّ أنْ تحدّثهم عن الرّبّ يسوع.

كانت متزوّجة من مزارع قمح لأكثر من ٥٠ سنة، لهذا كان لديها فهماً بخصوص زراعة وحصاد القمح.

وفي هذا الكتيّب تقارن الكاتبة حياتنا مع ثلاث حبّات قمح. وهذه الحبّات تُدعى: وَالّي، وِيلِّي، وأختهما وِينِّي.

الحصاد قريبٌ. هل أنت مستعدّ للذّهاب إلى السّماء؟ هل تُبت عن خطاياك وقبلت الرّبّ يسوع مخلّصاّ لحياتك؟

حبّة القمح الصّغيرة ويلِّي

شعر ويلِّي، حبّة القمح، بأنه ينزلق. «ماذا يجري هنا؟» صرخ وهو يبلع ريقه. يبدو أنّ أخاه والّي كان أيضاً ينسحب بجانبه على جرف القمح المتدفّق.

تثاءب والّي وهو يقول: «من الضّروري أنّ شيئاً ما يحدث أخيراً… كنت أعتقد أنّ المفروض بنا أن نبقى هنا إلى الأبد، متكدّسين سويّاً في مصعد القمح الكبير هذا».

«حسنًا، لقد قالت لنا أمّنا قبل الحصاد في الخريف الماضي بأنّهم سيضعوننا في المخزن هنا طيلة فصل الشتاء. يبدو أنه قد حان وقت الرّبيع».

هتفت أختهما وينِّي من الفرحة وهي تنزلق بجانبهما «يا له من أمر ممتع! إنه مثل الانزلاق على منحدر كبير». وقد كان الكثير من الحبوب تتساقط بالقرب منهم وهي تنزلق… وأمامهم في الأعلى كان هناك نور ساطع ممّا أزعج عيني ويلِّي.

فقال لأخيه التوأم وهو ممسك بيده، «تمسّك بشدّة حتى نستطيع البقاء معاً. كان ينبغي علينا أن نمسك بيد وينِّي أيضاً. لكنّي لا أستطيع أن أراها في أيّ مكان».

فجأة انزلقا من داخل ظلام مصعد القمح وهبطا في منحدر نحو الأسفل، مثل شلّال منهمر، للأسفل… للأسفل… للأسفل… حتى دخلا في فتحة لثغرة كبيرة مظلمة.

وما أن التقط والّي أنفاسه، حتى قال لاهثاً «لقد ابتلعونا ونحن أحياء».

«كلّا، أعتقد أننا بخير. فنحن الآن في كيس قمح كبير».

لقد تمّ رشّهما ببعض قطرات من المواد الكيماويّة لقتل الحشرات، فسعلا قليلاً وحاولا تنظيف عيونهما. بعد عدّة عطسات، استقرّا بشكل مريح، وكان بامكانهما أن ينظرا من النّوافذ.

«انظر، نحن الآن في ذهابنا لركوب الشّاحنة».

كان ذلك أمراً رائعاً… خارجاً في الهواء النقيّ وأشعّة الشّمس، يسيران على طول الطّريق وهما يتأمّلان الأبقار ترعى في الحقول.‏

كان ذلك أمرًا رائعًا… في الهواء النقي وأشعة الشمس تشرق على جانبي الطريق، وهما يتأملان الأبقار ترعى في الحقول.

صرخ والّي من الفرح «آه، أنظر إلى الحملان الصّغيرة تلعب معاً هناك. وهي فاتنة للغاية».

صرخ ويلِّي: «إن أوراق الأشجار خضراء نضرة، وقد تفتّحت براعمها حديثاً… وانظرْ إلى هذا الجدول الصغير هناك». ثم قال بحزن: «أتمنى لو كان بامكاننا أنْ نخوض في الماء ونزيل عنّا بعضاً من هذا الغبار».

أجابه والّي: «ستغرق، فأنت تعرف أننا لسنا أسماكاً».

وبعدما بدا كأنّه ساعات وساعات من السّفر، انعطفوا إلى حقل وانطلقوا فوق التّراب النّاعم إلى قمّة تلّ.. وهناك توقّف المحرّك.

كان كلّ شيء هادئاً. كانت الشّمس تغرب، وكان أمامهم منظر رائع لألوان بديعة متلألئة في السّماء. فقال ويلِّي متأمّلاً: «لقد خلق إلهنا كلّ هذا، فكيف كان يا تُرى عند البدء؟».

فأجابه والِّي «لقد كان حسناً».

بعد قليل بدأ الظلام يغطّي المكان، وسَمع ويلِّي عواء ذئب البراري قريباً. ثمّ اشتركت مجموعة ذئاب البراري في حفلة النّباح والعواء.

«يا لروعة أن نرى النجوم مجدّداً، يا ويلِّي. أنظر، فإنّ القمر يقترب فوق تلك النّاحية».

«إنّ مواعيد الله هي دائماً في وقتها الصّحيح… فهو لا ينام أبداً. من الأفضل ألا تستيقظ غداً وأنت لا تزال نعساناً، لأن هؤلاء المزارعين يبدأون العمل في الصّباح الباكر، حسب ما أسمع من كلام هؤلاء الناس».

وبالتّأكيد، عندما بدأت خيوط الشّمس الأولى تشرق في الأفق، رأوا بعض الآلات الزّراعية تتوجّه نحوهم.

شهق ويلِّي قائلاً: «أنظر إلى هذا الجرّار (تراكتور)!. هذا ليس جرّاراً صغيراً… إنه جرّار كبير بثماني عجلات… ويجرّ آلة تبذر البذار، سنحصل على خبرة جديدة. هل تتذكّر أنّ أبانا أخبرنا بأنّ هذا سيحدث؟».

بعد قليل، حملت أيدي قويّة الكيس، بالإضافة إلى أكياس أخرى، وألقتهم في أعلى آلة البذار. وتساءلا فيما بينهما من سيكون إلى جوارهما الآن؟
إنها وينِّي.

فحيّتهما قائلةً: «مرحباً، كيف وصلتما إلى هنا؟»

قال ويلِّي «تماماً كما حصل معك، على ما أعتقد… دعونا نبقى على مقربة من بعضنا البعض هذه المرّة»، واقترب من جانب وينِّي وأمسك بيدها.

فسألت وينِّي: «إلى أين نحن ذاهبون الآن».

«سيقومون بزراعتنا في مكان ما حيث سنتعلم فيه إرادة الله لحياتنا، وماذا يمكننا أن نعمل لكي نخدمه».

«هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ، وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ» (متى ١٣: ٣ ـ ٤).

فقال ويلِّي «أرجو أن لا يحصل ذلك معي».

«وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالًا إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. وَلكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ احْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَرًا، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ» (متى ١٣: ٥ ـ ٩).

قام الرّجال الذين كانوا ينقلون الأكياس بفحص جودة البذار عن طريق التقاط حفنة صغيرة وهزّها في أيديهم. فقال أحدهم: «يبدو أنّه قمح جيّد ونظيف، والحبوب حسنة الشّكل». فاستجمعت وينِّي نفسها وكادت تبكي، ظنّت بأنها تتعرّض للنّقد. لكنّ ويلِّي ووالّي قالا لها: «لا تتضايقي… فسوف نُريهم ماذا بإمكاننا أن نفعل!».

ومرّة أخرى تمّ رميهم في آلة رشّ البذار، وسريعاً تحركت الآلة. فتدحرجوا فوق التّلال صعوداً ونزولاً، خلف ذلك الجرّار الهادر.

وسرعان ما شعروا بأنهم ينزلقون عبر أنبوب طويل نحو الأرض. فأمسكوا بأيدي بعضهم البعض بقوّة، وسدّو فتحة أنبوب آلة البذار.

فقال دان: «هذه الآلة مسدودة. إن لم أفتح أنبوب رشّ البذار المسدود على الفور فسنخسر بعض القمح في الحقل». وقام بدسّ أصبعه في أنبوب آلة البذار، ودفع ويلِّي، ووالّي، ووينِّي إلى الخارج بسرعة بحيث قُذِفوا ووقعوا في صفّ واحد، فتمّت تغطيتهم فوراً بالتّراب.

قالت وينِّي: «أظنّ أنّ هذا سيكون مكاناً لطيفاً في التّربة. إنها ليست صخريّة أو ما شابه ذلك… لكنني لا أريد أن أبقى هنا في الأسفل طوال حياتي، أليس كذلك؟».

«لست بحاجة لفعل ذلك… تذكري أن أبانا أخبرنا عن الحياة الجديدة التي سنعيشها».

لقد كشف لنا يسوع عن أسرار الحياة هذه عندما كان هنا. وقد قال: «سَأَفْتَحُ بِأَمْثَال فَمِي، وَأَنْطِقُ بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ» (متى ١٣: ٣٥).

عندما يقبل الأولاد أو البنات الرّبّ يسوع المسيح مخلصاً لحياتهم، ويحصلوا على غفران خطاياهم بالدّم الثّمين الذي سفكه يسوع على صليب الجلجثة، فإنّ هذا يمنحهم حياة جديدة أبديّة. يمكننا الحصول على هذه الحياة الجديدة هنا والآن. يسوع يعطينا الرّغبة والقوّة لكي نعيش من أجله ونأتي بثمر للسّماء.

إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ…. كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً للهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا (رومية ٦: ٥، ١١).

«هذا أفضل كثيراً من البقاء محبوسين في ذلك المصعد السّجن. أظنّ أنها تمطر… والمطر يمنحنا شعوراً ممتعاً ومنعشاً».

«نعم، لكنّني أشعر بالنعاس الآن، سآخذ غفوة قصيرةً».

بعد انقضاء بضعة أسابيع، عندما نهض ويلّي من نومه وجد أنه لم يتمكّن من زرّ سترته بشكل مناسب. ولكن لا بأس، فالأمر لا يهمّ، فهو لا ينوي الذّهاب إلى أيّ مكان اليوم على أيّ حال.

ولكن وينِّي لاحظت وقالت بلوم: «ماذا بنا اليوم… فهذا الصّباح، تمزّقت الدّرزة على هذا الجانب من ثوبي، كما يبدو أنك يا والِّي قد تغيّرت أنت أيضاً. أنظر إلى سحّاب سترتك!»

تذكر كلمات الرّبّ يسوع: «إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» (يوحنا ١٢: ٢٤).

كان ذاك في شهر أبريل (نيسان). والطّقس أصبح دافئاً ومشمساً. عندما فتح ويلِّي عينيه في صباح أحد الأيّام، كان يطلّ من خارج الأرض. كان كلّ شيء غريباً وجديداً… كانت هناك براعم قليلة أخرى حوله لم يميّزها.

ومع ذلك، كان مندهشاً لرؤية حقل كامل من القمح كان غامق اللّون على الجانب الآخر، وكان بارتفاع أربع أو خمس بوصات. فمن أين أتى ذلك القمح يا ترى!… وكيف أصبح بهذا الحجم؟

وفور ذلك نظرت وينِّي بسرعة، وعيناها واسعتان من الدّهشة، قائلة «مرحباً يا ويلِّي،هل نبتت أوراقك هذا الصّباح؟ يا له من أمر مثير!»

«إنّي أتعجّبّ، أين والّي؟»

«لعله ما يزال نائماً… حسب ما أعرفه».

ثم ألتفت إلى القمح الأطول والأغمق لوناً، وسأل بكلّ تهذيب: «من أين أتيتم؟».

ضحكت إحدى الأوراق النّباتيّة اليانعة… «نحن من الشّمال… ونحن سعداء لأننا التقينا مع بعض الجيران الجدد».

«من الأفضل أن تخفضوا رؤوسكم… فها هي طائرة رشّ قادمة إلى هنا»، صرخت تلك الورقة بينما كانت الطائرة تُحدِثُ ضجيجاً مدوّياً ومفاجئاً، وهي تحلّق فوقهم على ارتفاع منخفض. وسرعان ما ارتفعت وطارت بعيدًا تاركةً بعض الرّذاذ ينساب من القمح.

كان ويلِّي يهزّ رأسه عندما سمع صراخ احتجاج من والّي. سأل وهو يسعل، «من تسبّب في دخول كلّ هذه الأشياء في عينيّ؟».

أجابت الورقة اليانعة: «حسناً، لقد ابتعدت الطائرة بعيداً الآن، لذلك لا تتوتّر بسبب القليل من الرّذاذ، فهذا الرّذاذ يساعد على إبطاء نمو النباتات العريضة الأوراق والشّوفان البَرّي الذي هو الزّوان».

ومع كلّ يوم جديد، كان ويلِّي يكبر… إلاّ أنه كان ينظر إلى جيرانه بنوع من الحسد… إذ كانوا هم أطول منه بكثير.

وذات يوم اشتكى قائلًا: «أنا عطشان كثيراً… لو كنت أقدر أن أحصل على شيء أشربه فقط».

فقالت له سيّدة لطيفة: «استمع إليّ، وانظر إنْ كنت تقدر أن تهزّ أصابع قدميك وترسل جذوركَ إلى العمق أكثر. فهناك دائماً رطوبة أكثر في الأسفل».

سألت وينِّي، «كيف تعرفين؟ أنا عطشانة أيضاً، وكنت أهزّ أصابع قدميّ، لكن يبدو أنني في الواقع أقف على بعض التّربة القاسية».

وقدّم جار آخر نصيحة قائلًا: «أنا فعلًا حاولت بصعوبة واخترقت بعض التّربة. وأعتقد أنكِ أنتِ أيضاً قادرة على فعل ذلك. كلما كانت جذوركِ أكثر عمقاً، كلما كانت جودة حبوبكِ أفضل لدى الله».

وقال شابّ طويل بالقرب من وينِّي ضاحكاً: «إنْ عملت بنصحية هؤلاء السيّدات المسنّات، فلن تبلغي أيّ مكان. مهلاً، أظنّ أنّك فاتنة جداً».

فنظرت وينِّي إلى الأرض، حتى لا ترى نظرته الجريئة.

فقال والّي: «ما اسمك؟»

فأجاب الشّاب الوسيم: «أوتيس». ثم سأله أوتيس: «وما اسمك أنت؟»

«أنا القمحة والّي… وهذا أخي ويلِّي».

فأومأ أوتيس برأسه… وكأنهم أُعجبوا بطبيعته الطّائشة ونظرة الاستمتاع على وجهه. بدا وكأنّ الجميع كان يعرفه، وتحدّث بثقة إلى كلّ الذين حوله.

وفي المساء، كانت الرّطوبة تملأ الهواء، وقد تجمّع النّدى على القسم الأسفل من أوراقهم حتى يشربوا منه.

فقالت وينِّي: «الرّبّ يعلم أنّنا بحاجة للماء»، وفي نفس الوقت لاحظت أن أوتيس استدار.

في الصّباح، تلوّنت النّاحية الشّرقيّة من السّماء بإشعاعات الشّمس المبكّرة. فصرخت وينِّي: «ما أجمل لمسة الفنّان المحترف!».

ومرّة أخرى استدار أوتيس.

كانت وينِّي قد أصبحت معجبة جدّاً بالزّوجين الأكبر سنّاً والقريبين منها، فسألتهما: «لماذا تتّجّهان صوب الشّمس كلّ صباح؟»

«يرسل الله لنا نوراً لكلّ يوم جديد. فكلّما نظرنا إليه أكثر، كلّما ساعدنا على تحقيق إرادته. لقد عشنا أطول ممّا عشتِ أنتِ، لأننا كنا قد زُرِعْنا في الخريف الماضي وتحمّلنا برودة الشّتاء القارس الطّويل. وقد تعلّمنا أن نُقدّر قيمة ضوء الشّمس، ومع أنّ الطّقس يكون حارّاً في بعض الأحيان الآن، إلا أنّه لا يمكننا الاستغناء عن الضّوء».

وبينما كان الزّوجان المُسِنّان يتحدّثان، ضحك أوتيس، وفي تلك اللّحظة أمسكه والّي هو يأكل طعامه.

صرخ والّي: «مهلاً، فهذا الي!»

أجابه أوتيس: «هل تدعوني لصّاً؟ أنت فقط نبتة قمح لا قيمة لك».

كان ويلِّي غاضباً لسماع أخيه يتعرّض للإهانة بتلك الطّريقة، لكنّه لم يستطع الرّد على أوتيس، لأنّ أوتيس كان أعلى من مستوى كتف ورأس الجميع. كما كانت هناك أشياء أخرى قد أزعجت ويلِّي. ومع ذلك، فإنّ وينِّي بدَت وكأنها كانت غافلة عن أيّ ضرر حصل ورحبّت باهتمامه.

فسأل ويلِّي صديقيه المسنّين بكلّ لطف: «من أين أتى أوتيس؟».

« وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى…. فَجَاءَ عَبِيدُ رَبِّ الْبَيْتِ وَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَلَيْسَ زَرْعًا جَيِّدًا زَرَعْتَ فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ زَوَانٌ؟ فَقَالَ لَهُمْ: إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هذَا. فَقَالَ لَهُ الْعَبِيدُ: أَتُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟ فَقَالَ: لاَ! لِئَلاَّ تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أَوَّلًا الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَمًا لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَني» (متى ١٣: ٢٥ ـ ٣٠).

لم يكن يبدو على أوتيس الجوع أو العطش أبداً كما كان يبدو على ويلِّي، ولم يقدر ويلِّي أن يفهم كيف كان أوتيس يقف منتصباً وطويلاً، في حين أنه كان بالكاد قادراً على رفع رأسه.

فقال جاره العجوز بحكمة: «لديك حبّات قمح ذهبيّة قد تشكّلت لربّ الحصاد، فهذا هو السّبب».

واشتكت وينِّي أيضاً تطلب الماء، لكنّ أوتيس سخر منها، «أنتِ بحالة جيّدة يا حبيبتي… قريبًا سيمنحنا القمر بعض الضّوء، وسيكون الجوّ لطيفاً ورائعاً، ويمكننا أن نتمتّع ونلهو!».

كان والِّي محاطًا بأشخاص طوال القامة مثل أوتيس. وإن حصل واشتكى عندما كانوا يأخذون أكثر من حصّتهم من الطّعام أو الماء، فإنهم كانوا يهزّون رؤوسهم ويصفّرون بنغمة واثقة، وهم يفرقعون أصابهم متمايلين معاً.

ثمّ قالوا بكبرياء: «لدينا أموراً نقوم بها وأماكن نذهب إليها. ولولا وجود أشخاص مثلكم يداومون على اخضرارهم لفترة طويلة، لكنّا قد ذهبنا وسرنا في طريقنا قبل الآن».

وذات يوم جاء رجلان سيراً على الأقدام نحو الحقل، وقال أحدهم: «يبدو أنّ قمح الشّتاء جاهز للحصاد».

«أعرف، وقد نضج قمح الرّبيع بسرعة بسبب نقص الأمطار هذا الرّبيع. أعتقد أنه سيكون جاهزاً في وقت مبكّر. يمكننا أن نبدأ في حصاده حالما ننتهي من حصاد قمح الشّتاء. ينبغي أن أستأجر بعض الشّباب للعمل في الحقل غداً ولإزالة الزّوان. هنالك الكثير جدّاً من الزّوان، ولا نريد أن نحصد أيّ زوان، هذا أمر مؤكّد!».

«وكيف لك أن تعرف بالتّاكيد أيّهما القمح وأيّهما الزّوان؟».

«حسناً، عندما تنظر إلى الزّوان، ستلاحظ بأنّ لبّه من الدّاخل دائماً أسود، وهو يظهر للأعلى عندما يكتمل نموّه. عندما يكون الزّوان لا يزال يانعاً، يكاد يكون من المستحيل معرفة الفرق بينه وبين القمح، إلّا بالفحص الدّقيق للغاية. كما أنّ أوراق القمح تتّجه نحو الشّمس، في حين أنّ أوراق الزّوان تلفّ نفسها بالاتّجاه المعاكس. الزّوان لا يفيد لأيّ شيء على الإطلاق… بل يسلب التّربة من الغذاء الضّروري لتغذية القمح».

سمع ويلِّي كلّ كلمة قالها الرّجال. ثمّ قام أحد المزارعين بأخذ بعضٍ من قمح الشّتاء وقارنهم بقمح الرّبيع.

وقال: «انظر إلى الاختلاف هنا يا دان. قمح الشّتاء ممتلىء تماماً، لأنه استفاد من الأمطار المبكّرة والمتأخّرة؛ لكنّ حبّات قمح الرّبيع هي أصغر حجماً ومنكمشة نوعاً ما. إنها حقّاً أفضل ممّا كنت أتوقّع، رغم قلّة أمطار هذا الموسم. فالقمح مثلنا، يحتاج حقًا إلى ”ماء الكلمة“ لكي ينمو».

فيما بعد، أخبر ويلِّي أخاه والّي ما قاله المزارع، وكانا سعيدين لأنّ المزارع لاحظ بأنهم أنتجوا أكثر من ستّين ضعفاً.

وكانا كلاهما يراقبان عندما جاء عدّة زملاء شباب إلى الحقل في صباح اليوم التّالي. فقال أحدهم وهو يدعى تْرُويْ: «لدينا الكثير من العمل لنقوم به إن كنّا نريد أن نزيل الزّوان من هذا الحقل»؛ قال هذا وهو يمدّ يده ليلتقط بعض سيقان الزّوان الطّويل. ومرَّ أحد الزّملاء الشّباب بجوار ويلِّي، ووالّي، ووينِّي، ولكن عندما رأى أوتيس ونظرته المتعالية، سحبه تْرُويْ بالكامل من جذوره، وألقاه في كيس الخيش المخصّص للزّوان.

«هوّذا الزّارع قد خرج ليزرع. الحقل هو العالم. البذار الجيّدة هم بنو الملكوت. أمّا الزّوان فهم بنو الشّرير. العدوّ الذي زرعهم هو إبليس. الحصاد هو انقضاء العالم؛ والحصّادون هم الملائكة. فكما يُجمَع الزّوان ويُحرَق بالنّار هكذا يكون في انقضاء هذا العالم.»

«حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ» (متى ١٣: ٤٣).

تنهّدت وينِّي بعمق وهي تدور وسألته: «والّي، ألستَ سعيداً لأننا نعرف ونؤمن بمحبّة الله لنا؟»

أجاب والّي: «نعم، فإنّ ثمار الرّوح القدس يمكنها أن تبدأ في النّمو حالما نقبل الرّبّ يسوع في قلوبنا، مدركين أن طبيعتنا القديمة فاسدة، وهو وحده القادر أن يطهّرنا ويمنحنا حياة جديدة ويساعدنا لنكون مستعدّين لوقت الحصاد».

لوّح ويلِّي بذراعيه وأشار إلى الحصاد الكبير المجموع، وصرخ قائلًا: «انظرا! سيبدأ الحصاد في أيّ وقت الآن! وسنتجمع قريباً في بيت أبينا السّماوي — بأمان طيلة الأبديّة».

 

«الذَّاهِبُ ذَهَابًا بِالْبُكَاءِ،
حَامِلًا مِبْذَرَ الزَّرْعِ،
مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ
حَامِلًا حُزَمَهُ».
(المزمور ١٢٦: ٦).